ثقافة الإنتظار نشأت في حضن المنهج التاريخي وهومنهج يبحث في علم الاجتماع عن هموم وتطلعات المجتمع، لأن الإرهاصات الاجتماعية لها علاقة في التعبيرعن سلوكيات المجتمع ، وهذه السلوكيات يعبرعنها بالمنهج الاجتماعي. وغالباً ما تسقط المعاني الحقيقية للمصطلحات والتسميات لتستعيد مضمونها على النحوالذي حدث مع الآخرين ضمن المبادئ التي نشؤا عليها .
وهذه المبادئ تقوم على أساس مواجهة الثقافة المضادة والاستعداد لها في جميع مناحي الحياة علميا وعمليا، وعليه انتشرت ثقافة الإنتظار عند المسلمين وجميع أصحاب الديانات السماوية والوضيعة. جاء في إنجيل متى ص 5 أعمال 20-29 " اسهروا لئلا تدخلوا في تجربة لأنه أعدائكم كثيرة وساهرة " ، " اسهرو كالخدم للعمل لئلا يحملكم جهلكم وقت مجيء المسيح ويراكم نياما ".
هذه ثقافة الانتظارعند المسيحيين ونفس المنهج نجده عند السيد (علي الخامنئي ) قال الانتظار هو " بمعنى الترصد وفي الأدبيات العسكرية شيء اسمه التأهب " . وكتاب الله أكد على هذا النهج في سورة هود آية 122 " أعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون " .
وهذا يمنع من إضافة جديدة في أدبياتها ، لأن هذه الإضافات ستكون خارج حدقة العين والتي لا يمكن رؤيتها، مثلما سنجده في الثقافة الشيعية عند البعض. يقول (يوسف مدن) في كتابه (سيكلوجية الإنتظار ص 30 ) الإنتظار هو " تكوين الشخصية المؤمنة لمواجهة الإنحراف خلال زمن الغيبة الكبرى" ، ويقول (نبيل صالح) في كتابه ص 251 ( ثقافة الإنتظارالرسالي في مواجهة الواقع المنحرف) " تهيئة النفس لاستقبال المهدي المنتظر، والإرتباط بالقيادات المرجعية " .
هذه الإضافة هي تجليات للنزعة المذهبية ، والهدف منها إلقاء اللوم على جيل هذا الزمن وتحميلهم المسؤولية عن تأخر المجتمعات الشيعية في المعارف والعلوم الحياتية. علما إن هذا اللوم قد وقعت فيه الشيعة فيما بينها في زمن موسى بن جعفر (ع) بأشكاله المختلفة سواء على مستوى التقدم العلمي أو الديني أو محاربة الفساد مع أن عصر موسى بن جعفر (ع) كان من أكثر العصور تقدما في العلوم والمعارف حتى سمي في التاريخ (بالعصر الذهبي). ولكن بسبب عدم فهم النظرة القيادية عند موسى بن جعفر (ع) جعل بعض الشيعة يخفون فشلهم خلف عبارات اللوم.
مثلا الشيعة كانوا ينتظرون الإمام ليخرج من سجن هارون ولا يعرفون أن إمامهم كان يضع حجر الأساس لبناء قوة عسكرية في خراسان واليمن تمهيدا لظهور قائم آل محمد (ع) لأنهم جهلة نائمون. هنا يرد هذا السؤال :- من كان عليه أن ينتظر الآخر موسى بن جعفر (ع) ينتظر الشيعة أم الشيعة تنتظره ؟ الجواب الإمام ينتظرهم لهذا لم يكترث لهم وانطلق لتنفيذ المهمة التي نجد آثارها اليوم .
كذلك الحال عند الإمام المهدي (ع) في زمن غيبته هل تعتقدون أنه (ع) مكترث لهؤلاء الذين فضلوا الراحة على السهر؟ مؤكد غير مكترث لأن علوم آل محمد (ع) لن تتوقف عن العطاء ، فهي تقدم للناس جميعا، فهناك عقول في العالم خلقها الله سيحملون هذه العلوم .
مثلا الذرة وانشطارها ، القرآن الكريم تحدث عنها ثم سطر الإمام علي (ع) عن حقيقتها وانقساماتها ، ثم جاء العالم المسلم (فريد الدين العطار) في القرن السادس ووضع أبحاثه فيها ، ثم جاء (الفارابي وإبن سيناء) كبار علماء الشيعة وسطروا هم أيضا أبحاثا في التطبيق العملي للذرة ، وفي عام 1803 جاء (جون دالتون) ليطبق ما توصل إليه المسلمون ويتصدرالمشهد ويحدد استخدامات الذرة في الصناعة. الآن في مجال الكيمياء وعلم الذرة إسم من يلمع ، إسم إبن سيناء أم جون دالتون ؟؟ .
الجواب إسم جون دالتون ، ونحن نؤمن أن للإمام المهدي (ع) فيوضات وألطاف إلهية. سؤال : هل هناك مانع عند الإمام المهدي(ع) أن يحيط جون دالتون المسيحي بألطافه ؟ الجواب لا لايوجد هناك مانع. لأن لكل مجتهد نصيب. الآن هل يستطيع هذا المسيحي إذا عرف دور المهدي (ع) معه أن يجذب الإمام من يده ويقول له اقطع غيبتك ، هذا مفتاح القيادة خذ بأيدينا إلى برالأمان نحن متأهبون لكل شيء ونطلب الدعم منك أو لا يستطيع ؟ الجواب يستطيع لأنه يريد الرقي والتقدم والنجاح ، وهذه هي ثقافة الإنتظارعند الأنبياء وأوصياء الأنبياء.
أما ثقافة الإنتظار حديثا في بعض المجتمعات الشيعية الإثناعشرية فقط ، للأسف هي ثقافة ذات نزعة مذهبية. لماذا هذه النزعة والتغريدة خارج السرب ؟
أنا لا أريد أن أكتب التاريخ الآن ، لأننا خلال هذه الحقبة التاريخية فقدنا أشياء كثيرة ، مثلا فقدنا التنافس العلمي ، فقدنا الفكر المهدوي الذي أسس على قاعدة إستيعاب الكل المسلم وغير المسلم ، فشخصية المهدي (ع) في التراث الشيعي شخصية إنتقامية تحب سفك الدماء ، الأمرالذي ساعد على تفشي ظاهرة التبعية العمياء التي جمدت العقول وأطفأت نورها بسبب الفتاوى المتشددة دون مراعاة الظروف.
بالله عليكم هل هذه ثقافة الإنتظار ، أم هي ثقافة الفقيه وقت الأزمة ؟ ، ثقافة تبحث عن المزيد من التعويض عن إخفاقات الحاضر ، وكأنها تبحث عن الفردوس المفقود ، ويقدم الفقيه نفسه للناس أنه مالك اليقين والقابض على الحقيقة.
ولو كان يتعين علينا قول هذا لمن سبقونا في القرون الماضية الذين قادوا العقول إلى الرقي العلمي والمعرفي وكانوا ساداتها ، إننا في القرن الحادي والعشرون نتحدث عن ثقافة الإنتظار ولا نستطيع التخلص من أعباء الإرث الذي لم نعد فيه سوى كائنات مريضة عاجزة عن الفهم و الإدراك والإستيعاب ، بلهاء غير قادرين على حمل العلم الذي وصلنا من الطاهرين (ع) وحمله غيرنا ، وأصبحنا مجتمع يعيش على النرجسية ، اكتشفت فيه الثقافة وهو بلا ثقافة. ترى هل كانوا يصدقوننا ؟ الجواب كلا. إذن هذه ليست ثقافة الإنتظار ياسادة بل ثقافة الفاشلين.
خلاصة القول إن ثقافة الإنتظار منهج قرآني في بناء الحضارة الإسلامية ، سارعليه المصلحون عبر التاريخ والنهضة العلمية للباقر والصادق (ع) كانت لهذا الغرض. يقول رسول الله (ص) : " الحكمة ضالة المؤمن من وجدها فهوأحق بها " مسيحيا كان أو مسلما ، بوذيا كان أو هندوسيا ، يهوديا كان أو صابئيا ، سيدا هاشميا كان أو عبدا حبشيا ، ظهرالمهدي(ع) أو لم يظهر، نزل عيسى النبي (ع) أو لم ينزل ، فإن الله بالغ أمره ، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم.