الهوية مفهوم ينطوي على نسق من المعايير في عمليات متكاملة تشكل بعدا مركزيا لإنتماء الفرد إلى مجتمع ما. الباحثين في علم الاجتماع ذهبوا إلى أبعد من هذا التعريف من أجل توسيع دائرة التحرك الفردي ضمن ذاته و مجتمعه.
فالهوية بهذا المعنى ليست كيانا واحدا يدفع الفرد لهدفه إلى الأبد بل هناك حقائق تولد وتنمو وتتكون وتتغاير وتعاني من الأزمات الوجودية فهي ليست جامدة.
وهذه الحقائق لهاعلاقة بدورة الحياة ، إنطلاقا من نسيج الترابط بين الفرد والمجتمع في عمليات مثل الإتفاق و التقمص والإصطفاء والتمثل والإنقياد ، وهذه الدورة تتجلى في صفات وسلوكيات بناء على تكوينات وبناءات اجتماعية وتراكمات ثقافية وهو ما يسمى بالبناء الكلي.
وهذا البناء يحتوي على تكوينات ثلاثة (الجوهر، والذات ، والغير). ماذا تعني هذه التكوينات ؟
باختصار أنها تعني جوهريا أن الفرد ينتمي إلى مجتمع معين ، فالتغيرات في هذا المجتمع يتفاعل معها الفرد إما تفاعلا ذاتيا أو بالتأثير من الغير ، بعبارة أخرى إما سلطة نحن (الهوية المشتركة) أو سلطة الأنا (الهوية الذاتية).
وفي ظل الظروف التي يعيشها الإنسان في عصرنا الحاضر، ما المعنى من وراء مفهوم الهوية ؟ الجواب بالنسبة للبعض يرى أن التطور أو الثورة المعلوماتية أحدثت استقلالية بين الفرد والمجتمع ،
والبعض الآخر لا يرى ذلك ولا يسمح بإحداث أي تغيرات تختلف عن تصوره وخيالاته فهي صورة أشبه ما تكون باستعمارالهوية (تهميش الهوية ) والفرد هنا أمام أزمتين الأولى :
أزمة (الحرية) والثانية : أزمة (تهيش الهوية) فمن يستعمل الحرية كالفكر العلماني هو كمن يستعمل المعنى ضد الحرية كالفكر السلفي.
الأولى تعمل على سعادة الإنسان دون قيد أو شرط والثانية تعمل أيضا على سعادة الإنسان ولكن بشكل مضاد وهي بمثابة الحرية السالبة لا تتحرر إلا بقدرما تخوض نوعا مخصوصا من نزاع الإعتراف مع الآخر،
سؤال : من المسؤول عن هذا الوضع المريب ؟
الجواب إنها المنظومة التي صورت الهوية واستخدمت الدين والقبيلة كأوراق حولت الجدارالأخلاقي إلى امتحان شرعي مسلط على رقاب المجتمعات.
فالقبيلة لا تحرك السكان إلا بثمن الهوية ، بمعنى أن القبيلة لا ترى على إقليمها غير كائنات (هووية) بلا أي مخزون ذاتي ، هل رأيت قبيلة أنتجت عالما أو مفكرا أو مخترعا أو ما شابه ذلك ؟ الجواب كلا لأن المخزون الذاتي لا يهمها. إذن من الذي يتحكم بهذا المخزون الذاتي؟
العولمة التي فرضت جهاز الهوية ولكن بسكوت منسق مع الدين من أجل الحرية وهمشت الهوية وأهديت إلى الإنسان في قالب ثقافي بديل ، فلا تفرد بالشيء وإلغاء الذات والتعامل مع الهوية المشتركة ،
ولهذا لا تتعجب إذا وجدت مجموعة من القنوات الفضائية عند جهة مرجعية واحدة دينية كانت أو غير دينية ، فإنها تعمل ضمن الهوية المشتركة التي بدورها تهدم الذات الإنسانية في برامجها بشكل أو آخر.
سؤال : هل تتوقع من هذه المرجعيات مواجهة أزمة إنسانية ووضع حلول لها ؟ الجواب كلا ، لماذا ؟ لأنها لا ترى سببا للدفاع عن نفسها أو للتعبيرعن حريتها.
فالأمر لا يتعلق بنوع من الإحتجاج على وضع مريب لأن منظومة العولمة سحبت منهم المرض الأيديلوجي الذي كان في أجسادهم ، وجاءت بالإنسان الجديد الذي يقول لك (أنا حر).
إلا أن هذه النظرة للحرية اختلفت في بعض المجتمعات الإنسانية في تطبيقاتها مثل (ثورة تونس) عام 2011م ، هل كانت هناك قيادة ومرجعية لها ؟ أبدا لأن مفهوم القيادة قد تغير. والهوية التي همشت ولا يحق لها العيش ولا الكلام إلا ضمن سياق سلطة (نحن)
نزلت إلى الشارع بكل سخط ، وعملت ضمن الهوية المشتركة ولكن لا يوجد معها جماعة قومية ولا قبلية ولا عقدية ولا منظمات أخلاقية تديرها ، فإنها ثورة بلا توقيع شخصي.
ولأول مرة تنجح الشعوب باستعمال المخزون الذاتي لإحداث تغييرات حقيقية في الحياة. فالهوية دون العودة إلى الذات لا قيمة لها.