ذكرت سابقاً أن الهوية المكانية تولد معك وتنمو معك، وهذه الولادة والتنشئة في بدايتها تكون داخل الأسرة ،فالوالدان هما من يقومان بالإشراف على سلوك المولود الجديد من أجل المحافظة على الكيان الاجتماعي الأسري وأهدافه بشكل خاص، وتحقيق الأهداف الاجتماعية في تكوين الشخصية الاجتماعية للتفاعل مع المجتمع فيما بعد بشكل عام.
من هنا ترتكز الهوية الفردية ضمن سياق ثقافي واجتماعي لتعزيز الهوية في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والتي ستنعكس من خلال شخصية الفرد في الأدوار والممارسات في المجتمع، ويحافظ الفرد بدوره على تماسك المجتمع وكيانه وهو بذلك يعيد تعريف شخصيته وشعوره بالألفة والتنافس والمشاركة وإيجاد مكانة له بين الآخرين في المجتمع، وبالتالي يصبح الإحساس بالهوية قضية مهمة له في تحقيق متطلبات تعتمد على تنظيمات مختلفة في بيئته الاجتماعية.
فتتشكل بالتالي هويته ضمن خصائص ومعايير المجتمع الذي يعيش فيه ،هذا وقد اختلف علماء الاجتماع في تعريف التنشئة الاجتماعية حيث ذهب زين العابدين درويش إلى " أن التنشئة الاجتماعية تعني عملية إكساب الفرد الخصائص الأساسية للمجتمع الذي يعيش فيه ممثلة بالقيم والاتجاهات والأعراف السائدة في مجتمعه ومعايير السلوك الاجتماعي المرغوب في هذا المجتمع، وهي عملية مستمرة عبر زمن متصل تبدأ من اللحظات الأولى من حياة الفرد إلى وفاته". (1) وينقل عبد الفتاح تركي عن عالم الاجتماع الأمريكي "بارسونز" "أن التنشئة الاجتماعية هي عملية تعلّم تعتمد على التقليد والمحاكاة والتوحد مع الأنماط العقلية والعاطفية والأخلاقية عند الطفل والراشد، وهي عملية تهدف إلى إدماج عناصر الثقافة في النسق الشخصية، وهي عملية مستمرة تبدأ من الميلاد داخل الأسرة وتستمر في المدرسة وتتأثر بجماعات الرفاق" (2).
من هنا يتضح لنا أن التنشئة الاجتماعية شكلّت لنا كائناً بيولوجياً له تكوينه الخاص واستعداده في تكوين العلاقات الاجتماعية مع الغير ضمن المنظومة الاجتماعية يؤدي إلى النمو لهذا الفرد اجتماعياً، إذاً هذه العملية مستمرة فهي تبدأ بالولادة وتنتهي بالممات، وهذا يدفعنا إلى الاستنتاج أن الفرد لا يعيش في قالب واحد، بمعنى أن الفرد في هذا المجتمع يختلف عن الفرد في مجتمع آخر وبهذا نكون قد أنتجنا كفاءة اجتماعية لديها القدرة على التفاعل مع مجتمع آخر، وبالتالي سيمثّل هذا الفرد القيم والمعايير التي يتبناها المجتمع فتصبح بالتالي خاصة به ويسلك أساليب تتسق مع ما يحقق له المزيد من التكيف الاجتماعي.
هنا نطرح سؤالاً مهماً ألا وهو: هل المجتمع الذي يفرض على الفرد التنشئة الاجتماعية ملزم بالضرورة أن يخضع للضمير الجمعي أم لا ؟ نحن نعرف أن الفرد لا يولد كاملاً في تشكله الأول، فهو ليس خاضعاً للتطور التلقائي لأنّ التلقائية لا تخضعه لأي فكر كان، مثلاً أنت عندما ترسل ابنك أو بنتك إلى حلقة درس في المسجد او في المدرسة فإن هذه الفصول الدراسية تعتمد على الكتب التي تعطى للطالب سواء في المسجد والذي غالباً ما تكون كتباً دينية أو في المدرسة وتكون أيضاً كتباً لمواد مختلفة علمية وأدبية، قديماً عندما كنا نحضر في المدرسة الأهلية في مطرح وهي عبارة عن مدرسة تطوع أحد الأفراد والذي كان ملماً ومتقناً لمادة معينة لنقل اللغة الإنكليزية مثلاً أكثر من غيره في المجتمع فيفتح باب تدريس لها مع فرض رسوم رمزية حيث كانت العملة المتداولة والسائدة حينذاك الروبية الهندية أو الفرنك الفرنسي،وكان الهدف من هذا التدريس هو أن يتعلم هذا الفرد ..اللغة الأجنبية لتعينه في الحياة العملية مع الناطقين بها
فهي إذن الصورة الضمنية لترسيخ نظام وأفكار نسبية في ذهن الطالب تتعلق بمعتقد اللغة التي تعلمها أي اللغة الإنكليزية ، تماماً عندما يدخل هذا الفرد ذكراً كان أم أنثى في حلقة درس في المسجد، فإن الكتاب الذي يعطى للطالب هو الصورة الضمنية لذاك المعتقد الذي يسير عليه المعلم ضمن دائرته الاعتقادية، وليس ضمن دائرة الاعتقاد الذي تربى عليه الطالب، فلو كان المعلم من مذهب ما وينتمي إلى جهة مرجعية دينية معينة فهو بلا أدنى شك سوف ينقل الصورة الضمنية عن تلك المرجعية الدينية فيدخل هذا الطالب أو الطالبة في أزمة تشكيل هويته هويتها الدينية، فمن هنا تبدأ أزمة الهوية تتشكل في حياة الفرد . والحمد لله رب العالمين
المصادر
.1. زين العابدين درويش:علم النفس الاجتماعي، أسسه وتطبيقاته، دار الفكر العربي، القاهرة 1999، صـ 681.
2. نقلاً عن عبد الفتاح تركي موسى: التنشئة الاجتماعية ( منظور إسلامي)، المكتب العلمي للنشر والتوزيع، القاهرة، 1998، صـ21