????
عندما نريد عرض آليات الهوية التي تشكل هوية الفرد في بدايته فهي حتماً تكون داخل الأسرة، فإن عاش في أسرة تتسم بالتنوع الفكري واحترام الرأي والرأي الآخر، فإن صور المجتمع ستظهر أنه مجتمع جدلي متنوع، فالصورة الضمنية التي ستتشكل في ذهنه هي تلك التي أخذها من الأسرة. فهذه المرحلة هي التي تشكّل الرابط الزمني وبلورته في الترابط الاجتماعي والتي تساهم فيها التنظيمات المختلفة الرسمية منها أو غير الرسمية.
وهذه التنشئة الاجتماعية في الماضي تمحورت بين الأسرة والمجتمع والمدرسة، مما يعني أن هذه التنظيمات فرضت عناصر أخرى جديدة في التنشئة الاجتماعية، وهكذا دخل الفرد بين ثنائيات في المجتمع بين الثبات والمطلق، بين الخصوصية والعام، بين الانفتاح والانغلاق، بين الفردانية والاجتماعية ، ولكن ماذا تعني هذه الثنائيات ؟ بلا أدنى شك فإن الفرد سيواجه إشكالية بينها كلها، فمثلاً هناك عادات وتقاليد لا يمكن المساس بها في المجتمع وهي بدورها فُرضت على الواقع الاجتماعي ولا يمكن بأي حال من الأحوال تعديلها أو إضافة عناصر جديدة لها لأن الفكرة التي يعتمد عليها في هذا الاتجاه هو الحفاظ على الوحدة الاجتماعية، مثلاً في عصر السلطان فيصل بن تركي تعرضت مسقط لهجوم من قبل المناهضين للسلطة المركزية فيها ، فأرسل المقيم البريطاني حينذاك علم بريطانيا ليرفع على قلعة الخوجة ، في المقابل الخوجة لم تكن لديهم قلعة وإنما سور اللواتية حيث كانت تسمى في السجلات البريطانية على أنها قلعة الخوجة، فلماذا سموها بهذا الاسم ؟
لأن العشائر اللواتية العرب كآل خلفان وآل صالح وآل سالمين وغيرها كانت تمنع دخول غير اللواتيين العرب إلى السور، وعندما تصاهر الخوجة وهم من الطائفة الآغاخانية الإسماعيلية وكانوا رعايا للحكومة البريطانية ، دخل هؤلاء الأفراد إلى السور وسكنوا مع زوجاتهم اللواتية ، فأصبح لزاماً على الحكومة البريطانية حماية مصالحهم. وكان شيخ القبيلة آنذاك المرحوم محمد ناصر آل صالح اللواتي والمعروف بـ "محمد كريم" رفض رفع العلم البريطاني على سور اللواتية ، لماذا ؟
لأن الوحدة الاجتماعية يجب أن تبقى ثابتة ولا يمكن الانصياع لأوامر المقيم البرطاني حتى ولو تصاهر بعض الآغاخانيين وهم رعايا الحكومة البريطانية المعروفين بالخوجة مع الأسر اللواتية العربية ودخلوا إلى حرم سور اللواتية ، هذا الموقف كان محل احترام السلطة المركزية وباعثاً للمناهضين في تدمير ممتلكات اللواتية، حيث ضربت بيوتهم بالمنجنيق والأخشاب ولو رفع علم بريطانيا على السور لما تعرض اللواتيون لهذا الهجوم، وهذا المنع من دخول السور لغير اللواتيين شكّل نوعاً من الإشكالية عند البعض في الثبات على هذا التنظيم وفي عصر الانفتاح مع الغير ينطلق الرفض لناحية كل ما يمكن تسميته بالهوية الاجتماعية، لأن هناك هوية عامة لا يمكن تشتيتها بسبب رفض البعض، ولا توجد هناك قوالب جاهزة يمكن اعتمادها في تشكيل الهوية إزاء هذين الاتجاهين.
إذاً الهوية الاجتماعية تتجلى في التحديات الكبيرة التي تواجه التنظيمات الرسمية أوغير الرسمية، فموضوع تشكيل الهوية على المستوى الاجتماعي تصعب معالجته لأنه لا يستوعب إطاراً واحداً حيث تلتقي معه الجوانب النفسية "السيكولوجيا" والجوانب الاجتماعية " السوسيولوجيا" والجوانب الفكرية الاعتقادية " الأيديولوجيا" هذه الجوانب هي التي تبرز أزمة الهوية في كل عصر.
ما هو تعريف الأزمة ؟ يقول "كلود دوبار:" الأزمة هي " مرحلة صعبة تمر بها مجموعة اجتماعية أو يمر بها الفرد، وبصورة أدق هو تصدع التوازن بين مكونات متباينة"، وعلماء الاجتماع يذهبون إلى أن الأزمة هي " أزمة الرابط الاجتماعي" بمعنى أن الأزمة تتشكل عند الفرد عندما تتصدع العلاقات الاجتماعية مع الغير، وهذا التصدع في العلاقات يولّد أزمات اجتماعية ترافقها أزمات اقصادية بحيث يفقد الفرد وظيفته بسبب التصدع في العلاقات الاجتماعية فيصعب بالتالي عليه الإحساس بالهوية ، لذلك يلزم الكثير من الجهد لإعادة صياغة الهوية وأيضاً إعادة التنظير، وهذا لا يتعلق بشكل الهوية فقط بل يجب إخضاعها لمصير العصر وزمان صيرورتها.
من هنا نفهم أن أزمة هوية هذا الفرد ليست فقط في الجانب الاجتماعي بل تتعداه الى جوانب أخرى مرتبطة بحياته، فالخطاب السوسيولوجي أو النفسي لم يعد ذا قيمة عندما تتدهور الأحوال الاقتصادية، فمن الطبيعي جداً أن تنقطع العلاقات الاجتماعية فترى الفرد يسرّح من عمله ، وعلاقاته الاجتماعية تتقلص، تم إضافة رقم في خانة البطالة ، الروابط الاجتماعية التي توصف أنها تفسر الجو الحركي أو الميكانيكي للفرد أصبحت على المحك وقس ذلك على جوانب اخرى ذات تأثير على هوية الفرد . الحمد لله رب العالمين.