الهوية هي البداية والنهاية لحضارة الإنسان - 4


حين يقع الفرد في صراع بين الثنائيات يتعرض مفهوم الهوية للأزمة بداية  داخل الأسرة، حيث يبدأ تشكيل هويته مع العناصر المؤسسة لذلك، ويتم إخضاعها لمصير الزمن على أساس إمكانية تشكيل عناصر جديدة مثل العادات والتقاليد التي تعيش عليها الأسرة والجوانب الأخلاقية التي تحدد سلوك الفرد فيها، إضافة إلى ذلك هناك الاستبداد الأسري، العنصرالذي بدوره يكون حاضراً في تشكيل وعي الفرد وتحديد بداية الخيارات له ، إذاً الفرد يولد وقد زوّد بأنواع مختلفة من الاستعدادات الجسمية والعقلية والنفسية والتي منها الفطرة ، الغرائز، الذكاء ، القدرة على التعلم والتأثير والتحمّل والحيوية في المقاومة، وبهذا يتكيف الفرد بالحياة الاجتماعية من خلال التنشئة الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي الذي يبدأ من الأسرة ثم المدرسة ثم الصحبة .ولكن ثمة  سؤال يطرح ألا وهو: ما هو دور هذه التنظيمات الثلاثة في تشكيل هوية الفرد ؟

أولاً : الأسرة 
 
لن يختلف معي اثنان أن الأسرة ما زالت هي الأقوى والأصلب عوداً في المجتمع ،ولكن ما هي وظيفتها بالتحديد تجاه الفرد ؟  تنقل التراث ، تضع المعالم الأساسية لهوية الفرد ، تنشئ منظومة وحدة اجتماعية للحفاظ على الأسرة ، من هم أعضاء الأسرة ؟ الأب الأم، الأولاد فقط ولا علاقة للعلائق الاجتماعية القريبة الأخرى في التنشئة الاجتماعية للفرد ، ومن خلال الإشراف على نمو الفرد اجتماعياً وتحديد سلوكه وتدعيم التوافق بين أفراد الأسرة الواحدة ، يأخذ هذا الفرد المعايير والمفاهيم والأدوار الاجتماعية التي تعزّز تفاعله الاجتماعي، وهذا يتوقف على المستوى التعليمي والثقافي للوالدين وتماسكهما في إيجاد استقرار للأسرة عاطفياً وعملياً. 
هذا التفاعل داخل الأسرة يبرز علاقة الفرد بين هوية الذات وبين العوامل التي تنطوي عليها هذه الهوية، بمعنى عندما يقوم الفرد بتحديد مسار سلوكه داخل الأسرة لنقل مع أبيه او أخته فإن هذا السلوك قائم على المفاهيم كما أسلفت آنفاً ،هذه المفاهيم تستند على المقومات والتي بدورها تلعب دوراً محورياً في تفاعل الفرد داخل الأسرة مثل اللغة ، الدين ، التاريخ ، الوطنية ، المواطنة ، فهذه المقومات هي التي تحدّد الجانب الثقافي للفرد ضمن الفضاء المجتمعي الذي ينتمي إليه، وهذا يقودنا إلى حقيقة مهمة وهي أن عملية التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الفرد في مراحل حياته المبكرة لها أهمية قصوى في تشكيل شخصيته وتحديد هويته ،هل هو معتدل الفكر والسلوك ؟ هل هو متعصب ؟ هل هو متطرف الفكر والسلوك ؟ هل هو؟ هل هو؟ عدّد ما تشاء من الأسئلة.
 
من هنا تبرز أهمية المؤسسات المجتمعية سواء التربوية منها أوالدينية أوالاقتصادية وغيرها في بلورة الهوية الفردية والجماعية، بحيث تتفاعل على أرضية وفق المرجعية وهي الثقافة التي تمكّن الفرد من التكيف مع أفراد الأسرة ومن ثم مع أفراد المجتمع، مثلاً أنت عندما وصلت إلى عمر استطعت أن تتحدث بلغة وتنطق بكلمات وجمل يفهمك كل من هم حولك، إذاً اللغة مهدت لك أسس التواصل مع أسرتك أليس كذلك؟ من خلال هذه اللغة التي تعلمتها وبدأت تنطق بكلمات وجمل كانت بلسان أحد الوالدين ، لأنهما كانا حلقة وصل بينك وبين اللغة التي تعلمتها
فأنت أمام مظهرين يقفان أمامك: المظهر الأول لنقل هوية الأب الذي علمك ما تكن تعلم ، والمظهر الثاني هو ذاك الشيء غير الملموس والأكثر تعقيداً ماهية حقيقة هوية أبيك ؟ إذاً أنت وصلت إلى مرحلة لا يمكن أن تفهم هويتك ما لم تصل إلى فهم هوية أبيك أو أمك أيضاً أو إخوتك أيضاً ، لماذا ؟ لأن الشعور بالذوات الأخرى ضروري بالشعور بالذات، ومن الواضح جداً هنا أن هناك ثمة شكلاً للهوية تبحث عنها أنت من خلال اللغة التي تمارسها داخل الأسرة ولو كانت الأسرة تتحدث باللغتين، أي إن هناك لغة واحدة ذات صلة قوية، وهناك لغة ذات صلة ضعيفة فما معنى ذلك ؟

في الربع الأول من القرن الخامس عشر الميلادي جاء الخوجة(الأغاخانيين) من الهند الذين كانوا على الديانة الهندوسية ثم أسلموا على يد الداعي الفاطمي بير صدر الدين ووصلوا إلى مسقط وكانوا يتحدثون باللغة الخوجكية إضافة إلى اللغة الهندية وهي لغة الأم لهم ، هؤلاء الخوجة البعض منهم كما ذكرت سابقاً تصاهروا مع عوائل العشائر اللواتية العربية الذين كانوا يتحدثون باللغة العربية، هذه المصاهرة أوجدت مساحة واسعة اجتماعياً للغة الخوجكية فانتشرت في المجتمع اللواتي العربي كالنار في الهشيم لدرجة وصل الأمر إلى أن قدرة الشخص على التعبير في اللغة الأم (العربية) واستخدامها لا تساوي قدرته على التعبير في اللغة الثانية (الخوجكية) واستخدامها ، كيف ذلك ؟

اللغة الأولى هي لغة الهوية وهي تتسم بالهوية الثقافية التي ترتبط بعلاقة وثيقة الصلة مع الآخرين مثل العلاقة مع الجهات الرسمية في الدولة وتخليص المعاملات الرسمية كلها كانت بلغة العربية ، أما اللغة الثانية (الخوجكية) فقد شكلت هوية ثقافية دخيلة على الهوية الأصلية  ولكنها كانت ضعيفة جداً،طبعا تعلم أكثر من لغة ليس محل بحثي يمكنك أن تتعلم أكثر من اللغة ولكن الشيء الأكثر تعقيداً هو أن الأبناء  إذا نشؤوا في بيئة متعددة اللغات وهذه التعددية غيّرت من خصائص هوية أفراد الأسرة ، فأنت عندما تريد أن تعرف حقيقة هوية أبيك هل هي هوية عربية لأنه يتحدث باللغة العربية وهي لغة الأم  له ؟ أم  أنها غيرعربية بسبب تداخل اللغة الثانية  على خط التواصل داخل الأسرة ؟  والحمد لله رب العالمين.


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الجمعة 2025/6/6 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير