سلسلة رمضانية (6) الموروث الروائي والفكر الحداثي
286.png | 19 KB |


الموروث الروائي يعتبر من القضايا المهمة في تاريخ الإسلام المعاصروعندما يتم طرحه يتبادر إلى أذهان الكثير منا ذلك التراث الذي تحتفظ به الأمة كجزء من منظومتها الثقافية والمعرفية والروحية المجردة من سلطة الوصايا والتوجيه والهيمنة.

وحديثي سيكون عن الموروث الروائي المتداول في البيئة الاجتماعية كثقافة التوجيه والوصايا والهيمنة. وهذا الموروث أظهر إشكالية التعايش مع حضارة العصر (الفكر الحداثي) بثقافة قديمة بدل الدخول بالوعي الإيجابي في التعامل معه ،

فنحن أمام مسألتين الأولى: مسألة التراث الراهن وإنشداده إلى الماضي ، الثانية: زمن الموروث الروائي وثقافة العصر.

ماذا تعني الحداثة ؟ وماذا يعني الموروث ؟ الحداثة تعني ظهور مجتمع حديث بكل ملامحه التقنية والتعددية والانفتاح وهو ما يسمى بالنهضة الغربية. وقد تجلت مظاهر الحداثة في النمو السريع خاصة في الاقتصاد والسياسة والمجتمع ، إلا أن أبطأ مظهر لها كان في الفكر الحداثي حيث ارتسمت في مجال علوم الإنسانيات لمعرفة وفهم الفرد والمجتمع.

أما الموروث فإنه يعني كل ما يمت بصلة إلى القديم ، لأن مفهوم القديم له نفس أبعاد مفهوم التراث ، ولاسيما إذا وضع القديم أمام الجديد. ولاريب أن ما تتركه هذه المعاني له أثرا كبيرا على الحياة المجتمعية التي تقع على عاتق السرد الروائي.

فالموروث المتجذر في العقلية الإسلامية له قناعة تامة لا تقبل الشك أو التغيير أو النقد بإعتبار أن النصوص في هذا الموروث ليست وليدة ساعة لحظية أو زمنية أو مكانية ولا تتأثر بأية عوامل تاريخية التي تتولد منها.

وهذا المعنى يصطدم مع الفكرالحداثي القائم على دعائم منفتحة لفهم الفرد والمجتمع ، ولإدخال الرؤية النسبية بإرجاع الأفكار إلى أصولها الاجتماعية وإلى دوافعها النفسية.

سنعطي مثالا من التراث الشيعي منعا للملل جاء في (بحارالأنوار ج 44 ص 169) أن الإمام علي (ع) كان يضجر من تصرفات ابنه الحسن (ع) حتى إنه قال في خطبته (أن الحسن مطلاق فلا تنكحوه) وهذه الرواية نقلت إلى كتاب الكافي للكليني حتى تفنن بعض الفقهاء على كراهة الطلاق ، والبحراني في (الحدائق النضرة ج 25 ص 148) وجد لها مخرجا لصحتها حيث قال : " وربما حمل بعضهم هذه الأخبار على ما تقدم في سابقها بسؤ خلق أؤلئك النساء ..إلخ ".

وتوصل المحقق المرجع السيد (كمال الحيدري) أن هذه الرواية مدسوسة في كتب الشيعة والسيد (الخوئي) سكت عن جزئية الدس أيضا (المورورث الروائي بين النشاة والتاثير ص 256).

هذا التشويه لمقام سيد شباب أهل الجنة في رواية مدسوسة ، فالبعض كذبها والبعض تفنن فيها والبعض سكت عن الإفصاح في الدس والبعض أصدر فتاوى شرعية لمقلديه بكراهة الطلاق في الرسائل العملية والبعض وجد لها مخرجا لصحتها.

من هنا نستنتج أن بقاء هذا الموروث الروائي في كتب المسلمين المعتبرة كان بسبب سلطة الوصايا التي تتمتع بالمخزون الفقهي والذي أوجد نوعا من الخوف ذو ثلاثة أبعاد الخوف من تجاوز الموروث بحجة أنهم متخصصون ، والخوف من عقاب الآخرة إذا خرج عن هيمنة الوصايا للفقيه ، والخوف من العقيدة المجتمعية بحجة المصاهرة أوالتناسب أوالعلاقات الاجتماعية.

هنا يصبح التساؤل منطقيا ، هل يمكن تقديم الرموز الإسلامية إلى الفكر الحداثي كأحد المؤسسين للفكر والثقافة الإسلامية الأصيلة ضمن كل ما سبق؟ الجواب لا يمكن ، لماذا ؟

لأن الموروث الروائي طعن جهارا في كرامة شخصية مميزة في العالم الإسلامي (كالحسن بن علي) و إصرار أكابرعلماء المسلمين بتعامل مع الموروث المدسوس وإعتباره جزء من المباني لإستنباط الأحكام الشرعية.

أفلا يحق للفكر الحداثي أن يتهم المسلمون بالتعصب والتشدد والتطرف ؟ مؤكد يحق له ، لأن الموروث الروائي تعامل مع الإنسان المحترم وسلب هويته وأصبح يصنع الفتوى من نصوص مدسوسه و يفرض تطبيقها على الإنسان الذي يعيش في زمن القرن الواحد والعشرين.

هذا التعامل للمرجعيات الدينية كان على مستوى الموروث الروائي ، ولكن كيف كان التعامل على مستوى الاقتصاد والمال العام ؟ وكيف ينظرالمثقف بشكل عام إلى عالمية رسالة الأئمة الإثني عشر(ع) في ظل هذه المكونات الثقافية ؟ سنجيب عليهما في الحلقتين 7-8 إن شاء الله تعالى.... إلى اللقاء.


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير