الإمام جعفرالصادق (ع) رائد النهضة العلمية (3) والأخيرة


تاريخيا إن أي مصلح كان نبيا أو وصي نبي لا يأتي قومه برسالة سخيفة ملؤها الكذب والخداع والغش ، ومن ظن فيهم هذا فإنه أبله. فالمصلح يكون مصدره واحد وهو ما وجدناه في قول الإمام جعفرالصادق(ع) "حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث رسول الله وحديث رسول الله قول الله عزوجل " وإن جميع هؤلاء من طينة واحدة ولا خلاف بينهم إلا ما يكتسونه من الهيبة.

وقد رأينا الطريقة التي أستقبل بها جعفربن محمد الصادق(ع) من أهل زمانه ، حيث إلتفت الناس حوله وانتشرت تعاليمه في الآفاق حتى أصبح اسمه يتردد على كل لسان إلى وقتنا الحاضر كشعورالإعتراف بالجميل لما فعله من أجل تحريرالعقول من أسرالإستبداد الفكري والعقائدي.

في وقت كانت الدولة تريد تماشي الناس معها محاولة منها خلق مجتمع على الشاكلة التي تريدها ، وقد نجحت في فتح أكثر من جرح بجسمه وشوهت صورته ليصبح إنتماء الفرد المسلم مزدوجا ويبقى الشعور بالخوف من مواجهتها مستقبلا.

وكان حضورالإمام جعفرالصادق(ع) هوالباعث للثقة بأنفسهم مما جعل من السياسة تطأطأ رأسها إحتراما له والتي حاولت مرارا تشويه صورته ، إلا إن العالم عرف أن الرجل الكاذب لا يستطيع نشرالمعارف العلمية وإحاطة دقائق الأشياء فيها لو لم يكن ملما بها.

لأن الذي يريد بناء بيت من الطوب لابد أن يكون عليما بخصائص الجص والجير، وإلا يكون ما يبنيه إنما هو تل من الأنقاض فينهدم وتنهار أركانه.

يقول(مصطفى غالب) في كتابه (الحركة الباطنية في الإسلام) ص205 "إن التاريخ يحتم علينا أن نرفع القناع عن عظيم شخصية علمية أوجدت مدارس في الإسلام كان لها تأثير قوي في التيارات الفكرية الإسلامية ". فهل اعترف العالم لغير جعفرالصادق (ع) المؤسس الأول لمدارس النزعات الفلسفية والكلامية والفقهية والعلمية ؟

والعجيب في الأمربأنه (ع) لم يلغي أحدا من الواقع الاجتماعي أوالثقافي أو الفكري أوالسياسي بل حاول إيجاد التجانس بين الشرائح الاجتماعية مع احتفاظ كل منهم بخصوصيته المعرفية.

وهذا السلوك كان الدافع للجميع في مراجعة آليات تفكيره على أساس إسلامي ، وهذه المراجعة يجب أن تتم ضمن إطار الإندماج الاجتماعي لا خارجه ، ورفض(ع) التقسيمات على أساس طائفي أو مذهبي مثل إطلاق ألقاب ومسميات هذا رافضي وهذا ناصبي الذي لا يقبله الفكرالجعفري القائم على المنهجية القرآنية ما اتفق معه يؤخذ به وإلا فيترك.

فإذاعلمنا أن أئمة المذاهب الأربعة نهجوا في مذاهبهم طرق مختلفة في استنباط الأحكام الشرعية بإضافة القواعد الفقهية الجديدة كالإستحسان والقياس والإجماع وأقوال الصحابة وهذا لا يعني أن تأثير جعفرالصادق (ع) كان عليهم في ذلك ، وإنما هو تنوع فقهي وهو ضروري لتشكيل تاريخية الفقه ، وهذا التنوع يجب أن يكون في إظهارالحقيقة العلمية وهي الأهم من كل شيء.

مثلما حصل في حلقات الحوارية الفقيهة بين أبوحنيفة وجعفرالصادق(ع) وفي كل مرة كان يتفوق الإمام(ع) وهذا لا يعني فوز مذهب على مذهب بل هي الحيوية الفكرية وفخرللعقل الفقهي الإسلامي ،

ودلالة واضحة على أن منهجية جعفرالصادق(ع) في التعامل مع الآخرين تقوم على أسس ثلاثية الأبعاد أولا : عدم تعطيل العقل العلمي ، ثانيا : الحيلولة دون محاصرة لغة الحوار مذهبيا ، ثالثا : ضرورة بروزالفقه بمعناه الشمولي بين الفقهاء المسلمين كالفقه السياسي مثلا وهذا ما حدث فعلا.

فأبوحنيفة سلب الشرعية من حكومة بني أمية وبني العباس جاء في (المناقب للمكي ج3 ص 83-89) أنه قال : " الخلافة الإسلامية الصحيحة انتهت بمقتل علي بن أبي طالب " ، والشافعي يعلنها مدوية " إن كان رفضا حب آل محمد فليعلم الثقلان أني رافضي".

وآخر دعوانا أن الحمدالله رب العالمين.


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير