الإمام جعفرالصادق(ع) رائد النهضة العلمية (2)


قال الإمام مالك بن أنس : " ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطرعلى قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علما وعبادة وورعا ".

ليس من قبيل الصدف ولا بدواعي الغرور أن يخطف الإمام جعفرالصادق (ع) الأضواء ليقود النهضة العلمية بكل قدرة وجدارة ، فهو من دوحة الطاهرين(ع) جده علي بن أبي طالب الذي قال فيه رسول الله(ص) " أنا مدينة العلم وعلي بابها " ،

وسأله أحد طلبته عندما نسمع حديث منك لا ندري هذا الذي سماعناه منك أو من أبيك ، فقال(ع) : " حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث رسول الله وحديث رسول الله قول الله عزوجل".

هذه المقاربة يمكن أن تشكل بداية في حفظ ميراث النبوة وعلمها وخطها وحركتها ، وهذا الإقرار منه لم يكن ليطلب من أحد إضفاء الشرعية عليه أو القدسية لفعله أو لقوله ،

وقد ثبت تاريخيا أنه إلى جانب وظيفته في نشر العلم كان كارها في الدخول على السلاطين حتى ولو لنصيحتهم وقد سار على هذا المنحى الكثيرين من العلماء مثل تليمذه نعمان بن ثابت(أبو حنيفة) الذي رفض تولي منصب القضاة في عهد العباسيين.

مما يدل أن مقولات جعفرالصادق (ع) ساهمت في تشكيل الشخصية العلمائية حيث نقل آرائه الفقهية تلامذته كل من الأئمة (الشافعي وأبو حنيفة ومالك بن أنس وأحمد بن حنبل) وكان حريصا على معرفة إختلاف فقهاء عصره ،

قال أبو حنيفة : " أعلم الناس هوأعلمهم بإختلاف الناس" وقال (لولا السنتان لهلك النعمان) وهي المدة التي درس فيها عند الإمام جعفر الصادق(ع) ، ولم تقع الخصومة بينه وبين الفقهاء ، هذا على مستوى العلوم الدينية ،

وعلى مستوى العلوم الأخرى كعلم الفلك مثلا وليس حصرا ، جاء في كتاب(الإمام جعفرالصادق في نظرالغرب ص 92) أن بطليموس الأول اشتهر بنظريته حول دوران الشمس في منطقة البروج ودورانها في نفس الوقت حول الأرض في كل يوم وليلة ،

ولم ينتبه أحد لفساد نظريته طوال هذه المدة حتى جاء الإمام جعفرالصادق(ع) وهو في عمرعشر سنوات فأكد إستحالة إجتماع هاتين الحركتين معا. من هنا ندرك أن الضعف العلمي إستعصى عليهم فهم نظرية بطليموس.

أما في علم الكيمياء جاء في مجلة الفيصل العدد 108- 1986 ص 56 "أن جابر بن حيان أدخل على الصناعة شيئا جديدا هو(علم الميزان) فجعل لكل الطبائع الأربع ميزانا ، ولما كان الذهب أصب المعادن فطبائعها متوزانة فيه ، أما الفلزات فغيرمتوازنة " ،

وتمكن العالم الأمريكي دمبستر من تحويل عنصرالزئبق إلى عنصرالذهب بإستخدام نظرية علم الميزان بعد أن ساد بينهم إستحالة تحويل عنصرإلى عنصرآخر.

وعاطف محمد في كتابه (أعظم علماء الكيمياء ص 11) قال : إن أنشتاين أخذ من جابربن حيان في أبحاثه الفيزيائية فيما يتعلق بإنشطارالنواة.

ناهيك عن المنهج التجريني الذي طرحه جابربن حيان في الأبحاث العلمية التي أنارت طريق العلماء الأوروبيين أمثال (إسحاق نيوتن) عالم الرياضيات و(فرنسيس بيكون) مؤسس النزعة التجريبية في العلم والفلسفة وغيرهم ، حيث لم يكن هذا المنهج معروف عندهم(نفس المصدرالسابق).

يقول جابربن حيان في كتابه (الخواص الكبير) ص 317 (فوالله مالي في هذه الكتب إلا تأليفها والباقي علم النبي(ص)).

هكذا رسم الإمام جعفر الصادق(ع) رسالة النبوة والوحي ، وقد صطدم العالم برمته والعقل البشري بنهضته العلمية حيث تخرج من مدرسته الفقهاء والعلماء في جميع المجالات الدينية والعلمية ،

وشق طلابه طريقهم في نشر العلوم في الآفاق وكأنهم يخوضون معركة وجودية شأنهم شأن الجيوش الفاتحة التي تشق الأودية المتشعبة من سلاسل الجبال تاركين بصامتهم الفكرية والعقائدية على أرض الواقع.

بهذا برهن (ع) للعالم أن توظيف الثقافة هوالمحرك الأساسي في توعية الجماهير ليسمو الفكر نحوالعطاء ، وهذا العطاء لا يمكن الحصول عليه بالمنهجية الإقصائية أوالطائفية أوالمذهبية أوالخصومة في الدين لأن ذلك يورث الشك والنفاق ،

ويجب التفريق بين مفهومي الخصومة والإختلاف في الفكر والرأي مع الآخر، وهذا السلوك هوعبقة نبوية وحكمة سرت في عروق أئمة أهل البيت(ع) وترددت على ألسنتهم إماما بعد إمام.

نتوقف هنا منعا للملل لنكمل الحلقة (3) والأخيرة من سيرة هذا الإمام العظيم .. إلى اللقاء.


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الجمعة 2025/1/10 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير