لا شكّ ولا ريب أن الذين يرغبون في قراءة الكتاب يكون هدفهم الأساسي هو جني فهم متزايد من خلال القراءة، وفهم أوسع للعالم من خلال الكلمة المكتوبة، وفي هذه الأيام هناك شعور سائد في أن القراءة لم تعد ضرورية لوجود منصات افتراضية ومواقع إلكترونية  توفّر الكتب والتي حلّت  محلّ الكتاب الورقي ، ولكن يبقى السؤال هنا: هل كل هذه الوسائل عزّزت من فهمنا للعالم من حولنا أم لا ؟  الجواب: بالتأكيد لم يعزّز ذاك الفهم الذي يوقفنا على الحقائق ، إذ هذه الوسائل الافتراضية أُسست كي تظهر لنا أن التفكير غير ضروري، من هنا نشير أن القراءة تكون إيجابية إلى حدٍّ ما بمقدار الوصول إلى الحقيقة، وهذا ما سأقوم به خلال قراءة فصول الكتاب موضوع البحث، فالمؤلفون عندما شرعوا في الكتابة كان الهدف منه هو بيان الخدع التي مارستها الكنيسة على أتباعها المسيحيين وعلى شعوب العالم .

إن فكرة الدم المقدس والكأس المقدسة قائمة على أن دم المسيح الذي سُفك على الصليب لم يكن حدثاً في الزمان، بل هو تدبير إلهي أزلي لفداء المذنبين بعد عصيان الإنسان وطرده من جنة عدن ، وكانت كلمات الله لآدم تطهيراً من ذنبه، وهذا التطهير لا يكون إلّا بالدم،  فذبح الرب حيواناً بريئاً  سال دمه أمام آدم ،  وصنع من جلده ألبسة لآدم وحواء وجاء من نسلهما هابيل وقابيل، وكان هابيل على دين أبيه فقدّم قرباناً كان ذبيحة بعكس ما قدمه قابيل، فتقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل فقتله، من هنا نشأت ديانتان ديانة  قابيل أو قايين القائمة على وحي شيطاني، و ديانة هابيل القائمة على التقرّب إلى الله بدم مقدس وهو دم المسيح الذي جرى في عروق نسله حتى جاء وقت صلب المسيح  (1)  ليعود الإنسان الذي عصى ربه  إلى رحاب الرب، و هذه العودة كانت بدم المسيح (2)، و هكذا يجب تطهير البشرية من دنوبها بدم مقدس .

بات واضحاً لنا أن ملفات ثلاثة فُتحت باسم دم مقدس والذي كان سبباً في بناء منظومة عالمية تريد حكم الكرة الأرضية  كما سيتبيّن لنا ، والملفات هي :-  ملف الملوك والرؤساء من نسل طاهر  الذين هم حماة الدم المقدس ، وملف الذراع العسكري القوة الضاربة لإخضاع العالم، وملف القوة الخفية التي ستدير العالم . مواضيع مهمة وخطيرة في الوقت نفسه لهذا استعدوا  لنذهب في رحلة عبر صفحات الكتاب لنكتشف حقائق تاريخية مهمة وكيف تم التلاعب والتحكم بالعقل البشري؟ ، سنبدأ أولاً بالملف الأول وهو ملف الملوك والرؤساء من نسل طاهر  و نسأل كيف تم تأسيس هذا النسل ؟ 

في الكتاب موضوع البحث يتحدث المؤلفون عن سرد ألغاز في حدث تاريخي حيث قالوا: إن دم المسيح الذي التقته يوسف الرامي من جسده وهو على الصليب تحول إلى رحم مريم المجدلية، ورمز الرحم هي الكأس المقدسة فانتشر نسل المسيح من هذه المرأة ، علماً أننا نعرف أن المسيح لم يتزوج  ولم  يكن له عقب، غير أن أسطورة الدم المقدس حول إلى رحم  مريم المجدلية، بعبارة أخرى إن المسيح تزوج من مريم المجدلية وانتشر نسله منها ، و أول سلالة ملكية تأسست في فرنسا استناداً إلى هذه الأسطورة هي سلالة "الميروفينجيان" التي حكمت فرنسا وألمانيا من القرن الخامس إلى القرن الثامن الميلادي، ولحماية هذا النسل تم إنشاء جمعية "إخوان سيون" أو إخوان صهيون"(3) و حراس الهيكل أو فرسان الهيكل الذي تأسس عام 1115م .

 من هنا بدأ الصدام بين المذهب الكاثوليكي الذي يطالب بإعطاء القيادة إلى أتباع بطرس الرسول وهو أحد حواري المسيح  وقد حاول أتباع هذا المذهب  قتل إخوان سيون وكذلك حراس الهيكل ، بينما حركة إخوان صهيون يطالبون أن يكون دم المسيح المقدس هو محور القيادة للدين المسيحي .
 انقمست البلدان الغربية على نفسها مثلاً أمريكا اتخذت الدم المسيح  والكأس المقدسة في صلب عقيدتها في بناء العلاقات المحلية والدولية ، بعكس بريطانيا التي اهتمت بإنشاء الحركة الصهيونية والماسونية للتبشير بالمسيح الموعود، وجعلت ذلك في  صلب عقيدتها لمحاربة كل عقيدة تنافي عقيدتها. 

إذاً المقدس بهذا المعنى ليس فكراً يتم اختباره عالمياً أو يمكن ترجيح مقدس على مقدس آخر  ولكنه إيمان الشعوب بهذا المقدس، ويتولد هذا الإيمان تلقائياً داخل كل أفعالهم وهي التي تنظم حركة الشعوب لتأتي النتائج محققة لأهداف مشتركة لتخلق نموذجاً حضارياً وجودياً، بمعنى أن هناك مسلمات وبديهيات يجب أن يقبلها الجميع، وبالتالي ما نواجهه الآن هو صراع بين مقدس وآخر وبين قبول المقدس بالرؤية الغربية أو إعادة قراءة مقدساتنا التي تتجانس مع حركات الأفراد والجماعات في المجتمعات الغربية ، فماذا تقولون ؟  فلنسترح قليلاً ثم نعود . الحمد لله رب العالمين.

المصادر: 
1.الذبح العظيم ، الدكتور القس لبيب مخائيل ، الفصل الأول خلاص الإنسان.
2. قضية الصلب ،  لبيب مخائيل ، ص 12
3. الدم المقدس والكأس المقدسة ، مجموعة من المؤلفين ، ص 399