قراءة في كتاب الدم المقدس والكأس المقدسة .1


 من المؤكد أن صورة الغلاف ستثير تساؤلات كثيرة عندكم، وأولها على سبيل المثال من هو الشخص المستلقي على السرير؟ ومن هم هؤلاء الذين حوله ؟ هذه أبسط الأسئلة التي قد تتبادر إلى أذهانكم أليس كذلك؟ لذا سأرجئ الإجابة عنها وعن غيرها من الأسئلة المرتبطة بموضوع البحث، وهذا هو فعلاً التحدي الذي سأواجهه لأني واجهت من قبل أسئلة متعددة من بعض المؤمنين والمؤمنات قبل موعد نشر البحث سأطلعكم عليها لاحقاً. دعونا إذاً نهيئ أنفسنا لنتعرّف على حقيقة الدم المقدس والكأس المقدسة وكيف تم تأسيس هذه الثقافة في المجتمعات البشرية ؟ وكيف أن الدم والكأس تحولا في لحظة تاريخية إلى دم مقدس وكأس مقدسة ؟ وهل فعلاً هناك دم له قدسية في التاريخ البشري؟ وهل الكأس الذي يعتبر أحد الأواني التي تستخدم في شرب السوائل ليتحول إلى إناء له قدسية لا يمكن مساسها أو استخدامها ؟ ومن الذي قرر وصرح  بقدسيتهما ! الكتاب السماوي أم رسول السماء ؟

إذاً الدم بهذا اللحاظ له علامة رمزية معينة عند البشر ولولا وجودها لما اتخذ الدم صفة القداسة وصفة الطهارة وصفة النزاهة المنزه عن النواقص ، ولكن ما معنى العلامة الرمزية ؟ علماء الاجتماع يعطون لكل علم دلالة استخدام العلامات في العلوم، مثلاً علم الطب عنده علامات كثيرة منها "العروق، الجلد ، النبض الدم "، فإذا ذهب المريض إلى عيادة طبية يقوم الطبيب بدراسة العلامات عند المريض  فيأخذ مثلاً  عينة من دمه  لتشخيص المرض وحالة المريض الصحية ، فالدم هو العلامة الدالة على تشخيص المرض وله رمزية معينة عند الطبيب، وهذه العلامات لا تنفصل عن العلاقات المحيطة بها، فمثلاً علامة دم المريض عند الطبيب لا تنفصل عن علامة سرعة دقات القلب عنده ، فكلاهما يرتبطان بعلاقة مع بعضهما البعض بشكل لا يمكن فصلهما ، ومع الزمن دخلت دلالية العلامات تدريجياً إلى حياتنا الاجتماعية، مثلاً علم التأويل ما هي علامته ؟ علامته هو الشخص الذي قام بالعدول عن اللفظ إلى معنى آخر عن معناه الظاهر.

إذاً التاويل مرتبط بالشخص، من هنا نفهم أن دلالة العلامة لا تتوقف على المؤشر، فلو رأينا شخصاً شجّ رأسه وبدأ الدم يسيل منه  نقول: هذا شخص مشجوج، وكذا الحال إذا رأينا طقساً دينياً أسس على تأويل رواية أن امرأة ضربت رأسها مقدم محمل الجمل فسال دمها فيقول المؤول: إن هذه علامة التطبير ليؤسس بذلك طقساً دينياً، هذا المؤشر سواء في التطبير أو الرأس المشجوج لايقف عند اللفظ، بل يتسع استخدام العلامة ليصبح فيما بعد رمزاً مهماً نقوم نحن بالاستفادة من هذه الدلالات لنسندها إلى دلالات تختلف عن الوضعية التي استخدم فيها أول مرة . من هنا يبدأ مشوار تثبيت هذه الرمزية لتعدّ رمزية مهمة في الثقافة الدينية أو الاجتماعية ليدخل بعدها عنصر الثبات ويحافظ عليها أمام التغيرات التاريخية عبر الأزمنة المتعاقبة. والغريب في الأمر أن رمزية الدم الذي أسس عليه طقس ديني معين يمارسه الإنسان ضمن بيئة اجتماعية معينة في مناسبة دينية معينة عند طائفة معينة لا تتدخل المرأة فيها مع الرجل حتى لو كانت هذه المرأة التي ضربت رأسها مقدم المحمل من الرموز المهمة في التاريخ البشري لماذا ؟

لأن دم المرأة ما زال يدور في ثنائية شرفها وعفتها ناهيك عن علامة الدم في نقصان عقلها وهو منطق تأويل الفقهاء بما لا يرضي التوجه الحقوقي للحديث. من هنا نفهم أن الدم ضمن عنصر الثبات يدور حول وظائف اجتماعية ليدخل في موضوع آخر وهو النسب والذي يعتبر قطب الرحى في دلالة التعبيرعن العشق لهذا النسب فيتم استخدام دمه كعلامة حب أو إعلان حرب ، لماذا ؟ لأن النسب مقدس والدم يجب أن يكون مقدساً أيضاً .هناك نقطة مهمة أود التنويه عنها وهي أن العلامة الرمزية لا يمكن أن توجد من دون مفسر وقارئ لها ، طبعاً هناك أولويات حول التعامل مع رمزية علامة الدم ومحاور أخرى مهمة في الزوايا الرمادية وهذا ما سأتحدث عنه بعد الاستراحة . والحمد لله رب العالمين.


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير