مازلنا في الحديث عن نهضة الحسين (ع) ، السيرة في بناء هوية الإنسان وغرس القيم الأخلاقية فيه بما يمتاز به من صفات ومقومات يجعله يتأقلم مع المحيط الذي تتجاذب فيه مصالحه ليصل إلى نضج يكون فيه قادرا على مسك زمام أمور المجتمعات لتصل فيها البشرية إلى قمة تطورها في الحياة وعلى جميع الأصعدة ، ولا يمكن أن تصل البشرية إلى هذا النضج التكاملي دون إدراك هويتها وتماسكها الجمعي الذي ترتبط فيه برباط الإنتماء.
وهذا الإنتماء لا يكون في حالة غياب المثل الأعلى الذي يلهم الأفراد والجماعات ويحثهم على السعي في الإستمرار لأداء شرف تطبيق الأهداف الإصلاحية لهذه النهضة الحسينية ، على سبيل المثال وليس الحصر: العدل والعلم ، والإنصاف ، والوسطية.
فالعدالة تقتضي قول الحق والمشورة بالعدل ، ومعرفة الحق هو المسار الحقيقي إلى العدالة الاجتماعية وإختلال توازنه يؤدي إلى الاضطرابات والعصيان المدني في المطالبة بالمساواة في توزيع الحقوق ، يقول الحسين (ع) (ألا ترون إلى الحق لا يعمل به).
وهذا الحق لا يخص طائفة دون الأخرى ولا مذهب دون الآخر ولا دين دون غيره ولا جنس دون الآخر ، لا تمييز بين العالمين ، لهذا لا يمكن قراءة نهضته (ع) بنظرة المسلمين الشيعة بشكل خاص أو بنظرة المسلمين بشكل عام بل يجب قراءتها بنظرة شمولية فهي تخص كل العالمين ، فمن قال غيرهذا فهو واهم.
فالعدالة الإجتماعية تعني أن تكون هناك مساواة بين جميع الطبقات الاجتماعية ، فإذا وجد العجز في توفيرالضروريات لأفراد المجتمع فهل تبقى هناك أحقية الإعتراف لهذه الجهة أو تلك ؟ مؤكد لن تبقى ، وللتوضيح عندما نسمع في بعض الأدبيات العاشورائية عبرالقنوات الإعلامية المتعددة أن الماء قد نفذ في مخيم الحسين قبل 3 أيام من استشهاده (ع) عام 61 هجرية هل سيبقى للحسين (ع) إعتراف بقيادته أم لا ؟ مؤكد لن يبقى
وإذا وضعت ملف مفردة العطش على طاولة المنظمة الدولية لحقوق الإنسان في وقتنا الحاضر لبيان جوانب العدالة الاجتماعية عند الحسين (ع) وقلت أن الحسين لم تكن عنده الخطة البديلة عندما نفذ الماء في المخيم مما جعله يسمع صراخ النساء والأطفال الرضع وهم يعيشون آلام العطش 3 أيام ، وهو يعلم أنه سيقتل قبل وصوله إلى أرض كربلاء ماذا تتوقعون أن يكون جوابهم ؟
الجواب الطبيعي لا تضيعوا أوقاتنا فلدينا قادة ميدانين أكثر حنكة وتنظيما من إمامكم ، لماذا ؟ لأنه لا يمكن تصديق أن قائد الأمة الإسلامية يمكن أن يخوض معركة الدفاع عن الرسالة السماوية ويعتبرها معركة الفتح ويضع مصير جيشه وأهل بيته رهين سلاح هش يتلاعب به أعدائه إلى يوم القيامة.
والحال غير هذا ، ما ذنب الحسين (ع) إذا كان هناك غياب لدى البعض في مراجعة تراثهم ورصيدهم الفكري والثقافي فهذه مشكلتهم لا مشكلة الحسين (ع) ، فقد جاء في كتاب (أبناء رسول الله في كربلاء – خالد محمد ص 119) نقلا عن البداية والنهاية ج1 ص 169 (أن الحسين اغتسل وتطيب ليلة عاشوراء قبل أداء صلاة الليل قائلا (إن الله يعرف أني أحب الطيب ... الخ).
ونشرت وكالة براثا الشيعية على موقعها الإلكتروني مقالة للأستاذة (ولاء الصفار) نقلا عن الموقع الإلكتروني للعتبة الحسينية الرسمي بتاريخ 24-10-2015 (أن العباس اقتحم المشرعة أكثر من مرة يوم العاشر وسقى مخيم الحسين بعكس ما يتناوله الخطباء على المنابر).
أيها القارئ الكريم نحن نعيش الآن اللحظات التاريخية المليئة بالاضطرابات والفتن وتزيف الحقائق التي فرضت نفسها على مجتمعاتنا الإسلامية شئنا أم أبينا ، فإن العقل والواجب يحتمان علينا الانتباه ، وعدم الإهمال في تصحيح هذه الأخطاء التاريخية وغيرها ولا نغفل عنها.
لأن المسيرة الحسينية لن تتوقف عن العطاء ولن تنتظرفاقد البصروالبصيرة للركوب في سفينة النجاة ، وكلنا يعلم ماذا قال (غاندي) المفكرالهندوسي (على الهند إذا أرادت أن تنتصر أن تقتدي بالإمام الحسين) و(إنطوان بارا) الصحفي المسيحي قال (لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبر، ولدعونا الناس إلى المسيحية بإسم الحسين).
و(محمد زغلول باشا) الزعيم المصري وقائد ثورة 1919 م في مصر قال : (لقد أدى الحسين بعمله هذا، واجبه الديني والسياسي) ، و(الإمام الخميني) الزعيم الإيراني وقائد الثورة الإسلامية في إيران قال (كل ما لدينا من عاشوراء).
فلا غاندي الهندوسي أعتنق الإسلام ، ولا إنطوان بارا المسيحي ، ولا محمد زغلول المسلم السني تحول إلى مسلم شيعي ، ولا الإمام الخميني المسلم الشيعي تحول إلى مسلم سني ، لأن الإختلاف في بعض مقتضيات الشريعة والمذهب شيء ، والدفاع عن ثوابت الفكرالإصلاحي شيء آخر، وهو ما فهمه هؤلاء وغيرهم من النهضة الحسينية.
المهم أن لا تحبس هذه النهضة لا في المأتم ولا في الكنائس ولا في المعابد ولا في المساجد كما فعل (كمال أتاتورك) الزعيم التركي الذي حبس القرآن الكريم في المسجد ورفض الوحي الإلهي لأجل التقرب إلى الفكر الغربي الغير ثابت ، بالنتيجة طردوه ، لا طال بلح الشام ولا عنب اليمن.
السلام على الحسين ، وعلى علي بن الحسين ، وعلى أولاد الحسين ، وعلى أصحاب الحسين عليهم السلام.
وآخر دعوانا أن الحمدالله رب العالمين.