الإمام الحسين(ع) السيرة والمسيرة (2)


إن من أسس دراسة الوثائق في البحث العلمي هي الدراسة الشمولية لها فلايمكن البحث في جانب من الوثيقة وإهمال جانب آخر منها ولا يمكن إنتقاء وثيقة في موضوع ما هنا وإهمال الآخرى في ذات الموضوع هناك ،

والوثيقة في كتابة الأحداث تكون على شكل مدونات يكتبها الفرد في قراطيس متعددة وهي سجل عشوائي من الأحداث ، وتختلف من حيث الوفرة والجودة من مكان إلى آخر ومن مرحلة تاريخية إلى مرحلة تاريخية أخرى.

ويشترط في المدونات أن يعيش الكاتب أو المؤرخ أصل الأحداث ويسمع الأحاديث بنفسه وينقل ما يراه أمامه وهذه العملية تسمى في دراسة التاريخ بعملية (التدوين) وهي ما عبر عنه هيجل (بالتاريخ الأصلي)

والمدونات تختلف عن المذكرات فهي تحتوي على سجل الذكريات الشخصية ، فنحن عندما نريد دراسة سيرة سيد الشهداء لابد أن نجمع المدونات التي دونها كاتب أو مؤرخ عاصرعهده (ع) ورأى الأحداث بعينه وسمع أحاديثه (ع) بنفسه.

سؤال : هل توجد مدونات مكتوبة في سيرة الحسين (ع) ؟ الجواب : لا توجد سوى بعض الروايات هنا وهناك في بعض كتب الحديث لا مجال لبحثها الآن. لو سألنا خطباء المنابر حول السيرة التي يذكرونها عن الحسين (ع) للناس ، ما هو مصدرها ؟

الجواب : حياة إلإمام الحسين (ع) باقر شريف القرشي المتوفي في 1344 هجري ، تاريخ الطبري المتوفي في 310 هجري ، كتاب مقتل الإمام الحسين لأبي مخنف المتوفي في 157 هجري ، والباقي كتابات ومؤلفات سردية هنا وهناك ،

ركزوا معي رجاء هذه المعلومات تؤكد أن باقر شريف القرشي والطبري وأبي مخنف لم يلتقوا بالحسين (ع) ولم يشاهدوا أحداث معركة كربلاء نهائيا ، فمسألة التدوين بالنسبة لهم غير موجودة بسبب الفارق الزمني بينهم.

إذن ما هي مصادر المعلومات عند هؤلاء عن سيرة الحسين (ع) ؟

تعالوا معي إلى كل كتاب لكل واحد من هؤلاء الثلاثة لنتعرف على حقيقة وصحة المصادر والمعلومات التي دونوها والتي نسمعها حول سيرة الحسين (ع) عبرالقنوات الإعلامية المتعددة هل صحيحة هي أم غير صحيحة ، ومن ثم سنعقب .

نبدأ بالطبري أولا : الطبري مصدر معلوماته في نقل سيرة الحسين (ع) وأحداث يوم عاشوراء تحديدا على روايات أبي مخنف ، وعمار الذهلي الذي يروي عن الإمام الباقر(ع) ، والحصين بن عبدالرحمن الذهلي ، ومحمد الواقدي صاحب المغازي ، وأبو معشر نجيح السندي ، وأكثر إعتماده على أبي مخنف لأنه يروي عمن شهد معركة كربلاء، مع ذلك نجد الطبري في تاريخه ص 283 و 289 يقول ( أن الشيعة خذلوا مسلم بن عقيل) نقلا عن أبي مخنف ، وهذا ما تسمعه من الخطباء أيضا ، والحال ليس كذلك .

والدليل جاء في كتاب (تاريخ الإسلام للذهبي ص 171) أن مسلم بن عقيل يعلن ثورته على إبن زياد ويحاصر قصر الإمارة ، جاء في (الإرشاد للشيخ المفيد ج 2 ص 52) أنه كان معه 4000 مقاتل عندما حاصروا القصر، واستمر القتال إلى الليل وكان ذلك يوم 8 ذي الحجة عام 60 هجرية ، لنترك تحليل هذه الأحداث جانبا ،

أخبروني هل مسلم بن عقيل كان وحيدا أو أن الشيعة خذلوه ؟ الجواب : لم يكن وحيدا ولم يخذله أنصاره .

بالنتيجة الطبري لم يهتم بالروايات وصحتها فهو صنف كتابه على هذا الأساس ، والتصنيف هي المرحلة الثانية بعد التدوين حيث لا يشترط فيها وجود الكاتب أو المؤرخ في مسرح الحدث ، والطبري يعترف في كتابه أنه أهمل التحقيق في الروايات

كما جاء في (تاريخ الطبري تحقيق البرزنجي ج1 في المقدمة) حيث يقول (فما يكن كتابي هذا من خبر ذكرناه عن البعض الماضيين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه لأنه لم يعرف له وجها في الصحة ولا معنى في الحقيقة).

وأيضا في (صحيح تاريخ الطبري – تحقيق محمد صبحي - ص 36) (مجرد وجود روايات منكرة في تاريخ الطبري ..إلى أن قال أدى بالنتيجة إلى ترسيخ أباطيل وأوهام وطاقات في أذهان الناس).

نأتي إلى أبي مخنف وله مؤلفات كثيرة منها كتاب (مقتل الحسين (ع)) ومصدر معلوماته هم : (حميد بن مسلم وزهير بن أبي الأخنس) هذين الرجلين شهدوا معركة كربلاء كشهود عيان نقلها أبي مخنف عنهم وصنف كتابه هذا ، سؤال : هل الكتاب الذي بين أيدينا الآن هو أصل الكتاب الذي صنفه أبي مخنف أم لا ؟

الجواب كلا ، جاء في كتاب (دراسة نقدية لكتب المقاتل عند الشيعة - الشيخ علي الدواني – ترجمة (الشيخ محمد الحلفي) ص 3 (وأما هذا المقتل الذي بأيدينا والذي قد طبع في آخر المجلد العاشر من البحار ونسب إلى أبي مخنف فهو ليس بمعتبر).

تعالوا إلى الدليل العملي لإثبات عدم إعتبارية هذا الكتاب ، جاء في ص 56 من المقتل لأبي مخنف (قالت (المقصود هنا طوعة) له من أنت ؟ قال أنا مسلم المغدورالمخذول فأدخلته إلى بيتها)

لاحظوا طوعة لا تعرف سيدنا مسلم عندما رأته واقفا عند باب بيتها. لنرى ماذا يقول (إبن أعثم) في (الفتوح ج 5 ص 50) عن هذا المشهد (أن مسلم أثخن بالجراح ونقل إلى بيت طوعة. الخ).

نلاحظ عند (إبن أعثم) أن هناك إشتباك بين العسكرين عسكر سيدنا مسلم وعسكر إبن زياد والواضح أنه كان عند قصرالإمارة ، وهذا يتوافق مع ما ذكره الشيخ المفيد والذهبي ، حيث أثخن سيدنا مسلم بالجراح ونقل إلى بيت طوعة لمعالجة جراحاته .

مما يدل أن بيت طوعة كان القاعدة العسكرية لمسلم بن عقيل ، ولو لم يكن كذلك لماذا ينقل سيدنا مسلم إلى بيت طوعة وهي لا تعرفه ، وهذا يدل أن عملية محاصرة قصر الإمارة انطلقت من بيت طوعة ،

وهذا الدليل هو سلاح ذو حدين ، حد أن مسلم لم يخذله أنصاره وطوعة أحد المعادلات في حركة مسلم بن عقيل ، والحد الثاني أن كتاب أبي مخنف لا يمكن الإعتماد عليه في نقل سيرة سيد الشهداء(ع) .

نأتي إلى باقر شريف القرشي لنرى ما هي مصادر كتابه (حياة الإمام الحسين (ع)).

نتوقف هنا لنلتقي في الحلقة (3) إن شاء الله... إلى اللقاء.


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير