التاريخ يسجل لنا انحسار الإسلام عن واقع الحياة في عهد يزيد بن معاوية كقوة سيا سية اجتماعية ، حيث راح ينكمش في ميادين العمل والمواجهة الجادة ليواصل حياة مع جيل لا يملك قوة القرار ومهترئ شارف على الانقراض. والهزيمة التي مني بها الإسلام لم تكن هزيمة سياسية واجتماعية فحسب بل إن الانحطاط الفكري والثقافي والاستهتار بالقيم الإسلامية وأحكام الشريعة المحمدية ، والانكسار الروحي والمعنوي بحيث تحول الإسلام إلى أفيون الشعوب همه فقط المحافظة على مصالح أهل النفوذ والجاه ، هذه الأمور كلها أكدت هزيمة الإسلام و حتمية زواله ككيان سياسي ديني اجتماعي.
فكانت أرض كربلاء ساحة صراع بين الحسين بن علي وارث خاتم الأنبياء والمرسلين وبصريح المنطوق النبوي الشريف " حسين مني وأنا من حسين" أصبح الحسين بدلالة هذا المنطوق وارث آدم صفوة الله ، ووارث نوح نبي الله ، ووارث إبراهيم خليل الله ، ووارث موسى كليم الله ، ووارث عيسى روح الله ، ووارث محمد حبيب الله ، هنا يتجلى معنى قول الحسين في أرض كربلاء "هل من ناصر ينصرني" حيث عبر بهذا القول عن رسالة ألم الإنسان وهي الأصل بين رسالات الأنبياء وبين الحوادث التاريخية المختلفة رسالة مفادها أن إبراهيم خليل الله ألقي في النار، وموسى كليم الله خرج من المدينة خائف يترقب ، وعيسى روح الله مكر به اليهود ، ومحمد حبيب الله ضرب بالحجارة في الطائف. إذن الحسين في أرض كربلاء لا يتحدث بلغة السياسيين ، بل هو وارث تلك الراية التي حملها الأنبياء ، فوصلت إليه يد بيد ليبني الوحدة التاريخية ، وهذا الاتحاد هو استمرار تاريخي لنهج الأنبياء ، فإن كتاب الله استعمل كلمة الدين بصيغة المفرد والإسلام بصيغة الجمع دلالة على اتحاد جميع الأديان تحت راية واحدة .
وفي المقابل تقف تلك القوى التي تكتم آيات الله ، القوة التي كتبت التاريخ أن الحسين استجدى أعدائه الماء له ولطفله الرضيع يوم عاشوراء كي لا تبقى لرسالة الحسين أية معنى ، أخبروني هل قرأتم في التاريخ أن قبرأ تعرض للهتك والهدم كقبر الحسين بن علي ؟ هل قرأتم في التاريخ جنايات ارتكبت بحق الأبرياء جاؤوا لزيارة قبر ما كما ارتكتب بحق زوار الحسين بن علي ؟ هل قرأتم في التاريخ أن الصواريخ أطلقت وضربت قبة مرقد ما كما ضربت قبة مرقد الحسين بن علي ؟ الجواب كلا . فالمسألة ليست محصورة في صحة رواية زيارة مرقد الحسين في العشرين من شهر صفر أو أن من علامات المؤمن زيارة الأربعين ! مناقشة الروايات والخروج باستدلالات منطقية على صحتها من عدمها أمر سهل ولكن المسألة أكبر من ذلك بكثير، المسألة بناء صنم لفرعون مرة أخرى ليعبد من دون الله ، المسألة أن تكون الغلبة لسحرة فرعون ، وهذا خلاف الناموس الإلهي في خلقه.
إذن لا بد من أن ينتهي التاريخ الذي قال إن يزيد كان محقا في قتله للسبط رسول الله (ص) ، ويجب أن ينتهي جور الأقلام التي قالت ما كان يجب على الحسين الخروج على خليفة زمانه ، ويجب أن تنتهي تلك المنظومة الفقهية التي أجازت سفك دماء الأنبياء وورثة الأنبياء ، ويجب أن يفضح كعب الأحبار وكتاباته ومن لف لفه من سحرة فرعون ، ويجب أن تتحق المثل الإنسانية والطموحات البشرية وهذا حلم الأنبياء والمرسلين. لهذا نرى الحسين بن علي بعد استشهاده ألهم جميع الواعين من المثقفين والباحثين والمفكرين وعلماء المسلمين ليكونوا نماذج حية في المشروع الإصلاحي الحسيني ، من كان يظن أن رئيس المذهب الحنبلي أحمد بن حنبل يرفض أكل خبز من خميرة جلبوها من بيت نجله صالح الذي كان تقيا ، وزاهدا ، وورعاً ، ولكنه كان قاض في يوم من الأيام في حكومة بني العباس حتى تعفن الخبز ورموه في نهر دجلة ، وعندما سألهم ماذا صنعتم بالخبز! قالوا رميناه في نهردجلة ، فامتنع عن أكل السمك من نهر دجلة هذا الجهاد البسيط آية من آيات الله.
وهل توقفت آيات الله ؟ أبدا ، سيروا في أرض الحسين ثم انظروا من الذي هزم سحرة فرعون ؟ من الذي مزق القناع عن وجوه لطالما أرادت أن تكون ظل الله في أرضه ؟ من الذي حطم أقلام الطواغيت والفجار ؟ من الذي أسقط عرش طاووس ؟ من الذي هزم الجيش الذي لا يقهر؟ من الذي قال للشيطان على مرأى ومسمع من الناس أخرج ؟ إنه الحسين بن علي الذي رفع راية التغيير والاصلاح في أمة جده ، راية يجب أن ترفع على مر التاريخ لتبقى منارا لا ينقطع ارتباطها بأهداف التضحيات التي قدمها الحسين بن علي في أرض كربلاء ، انظروا إلى تلك الحشود المليونية والوفود التي تزحف نحو أرض الحسين إنها فعلا حكمة الخالق ، فإذا كان قميص يوسف النبي رد بصر نبي الله يعقوب ، فإن اسم الحسين رد البصيرة إلى أصحاب البصائر الذين قالوا ربنا سمعنا وأطعنا وانصرنا على القوم الكافرين ، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.