المرأة في فكرالسيد )كمال الحيدري المرأة بين العلمانية والليبرالية - الجزء 3


التيارات الفكرية العلمانية والليبرالية تمخضت عن عصارة فكرها ونتائج أبحاثها إلى الجمع بين الجنسين وهو ما يعرف بنظرية (unisex) أي إختلاط الجنسين في كل مرفق من مرافق الحياة سواء في المدارس أو المستشفيات أو دورات المياه وغيرها ، المهم لا يكون هناك تمييز بين الجنسين ، السؤال : كيف توصل الغرب إلى هذه النتيجة ؟

لشرح كل نظرية من النظريات الفكرية السالفة الذكرسيحتاج مني كتابة أكثرمن 100 بحث علمي لهذا سألخص لكم كل نظرية على حده حتى يستطيع كل منكم تكوين صورة تؤهله لمعرفة من أين ينطلق الغرب في قراراته ومشاريعه الإنمائية في العالم الإسلامي طالبا منكم وضع نصب أعينكم نصوص الكتاب المقدس الذي ذكر في الجزء 2

أولا : ما هي العلمانية ؟ " (العلمانيّة (بالإنجليزيّة (Secularism) وهي عبارة عن مجموعةٍ من المُعتقدات التي تُشيرإلى أنّه لا يجوز أن يُشارك الدين في المجالات السياسيّة والاجتماعيّة للدول ، وتُعرَّف العلمانيّة بأنّها النظام الفلسفيّ الاجتماعيّ أوالسياسيّ الذي يَرفض كافة الأشكال الدينيّة ؛ وتضيف دائرة المعارف البريطانية إلى أنها منهج اجتماعي لصرف الناس عن الإهتمام بالآخرة إلى الإهتمام بالدنيا (قاموس كامبريدج الطبعة السابعة -2017م).

  • أول ظهورلهذه النظرية كان في فرنسا للحد من تدخل الكنيسة ومن هناك انتشرت ، ثم أسبانيا منها إلى أمريكا ومنها إلى العالم الإسلامي حيث استبدلت قوانين ومواد كانت معتمدة على النصوص الدينية إلى نصوص مدنية لاعلاقة لها بالرب ولا بالعبادة ولا بالمفاهيم السماوية ، وأشهردعاتها (فولتير وديكارت وجان جاك روسو) هذا بالنسبة للعلمانية المعتدلة ، أما العلمانية المادية فقد أخذت مساحة كبيرة في القرن التاسع عشر، ومن أشهر دعاتها (كارل ماركس وهيجل) وحددت لنفسها المبادئ التالية : 1- الإتفاق مع العلوم 2- قطع المجتمعات عن الدين 3- تطبيق المكونات الصناعية على حياة السان ، والشخص العلماني سنجده يعتمد على الخصائص التالية : 1- ضعف الجانب الديني 2- الإسراع في تطبيق منطق الذكاء لإقناع الناس 3- انتشارمنطق الفضول في تفسيرالأشياء 4- الإعتماد على المزاجية والبعد عما يربطه بالدين.

أما المخاطرالتي تواجه العالم من العلمانية :

1- التخفي وعدم الوضوح وهو ما نجده في كتابات ومؤلفات عديدة في مجالات الاجتماع والاقتصاد والدين مستخدمة لغة العلم بقوة عصرية 2- استخدام وسائل إعلامية لجذب الناس نحو منهجية بعيدة عن الدين وأخلاقياته.

ثانيا : ما هي الليبرالية ؟ الليبرالية (liberalism) اشتقت كلمة ليبرالية من ليبر liber وهي كلمة لاتينية تعني الحر، وهي فلسفة سياسية أو رأي سائد تأسست على أفكار الحرية والمساواة.

وتشدد الليبرالية الكلاسيكية على الحرية ، في حين أن المبدأ الثاني وهوالمساواة يتجلى بشكل أكثر وضوحاً في الليبرالية الاجتماعية. ويتبنى الليبراليون مجموعة واسعة من الآراء تبعاً لفهمهم لهذين المبدأين ، ولكن يدعم الليبراليون بصفة عامة أفكاراً مثل حرية التعبير، وحرية الصحافة ، والحرية الدينية ، والسوق الحر، والحقوق المدنية ، والمجتمعات الديموقراطية ، والحكومات العلمانية ، ومبدأ الأممية.(موسوعة ويكابيديا).

وإذا تتبعنا مراحل الليبرالية وهي ليست مراحل تطوروإنما تحديد فكرة المنظومة نجد أنها بدأت في

: 1- مفهوم الإنسان ذاته 2- مرحلة كمال العقل الذي يستطيع الإنسان أن يملك ذهنه وجسمه وعمله 3- مرحلة الإستقلال في الموروثات 4- مرحلة التقوقع على الذات وترك مسايرة الآراء المغايرة والغالبة ،

ومن أشهرمنظري الليبرالية هو(ستيورات مل) الذي يعتبرالمصدرالأساسي لليبراليين في العالم حيث ذكرفي كتابه " الحرية " عن المعتقدات الدينية (ولا أقول أن الاعتقاد بصدق العقيدة مدعاة للعصمة ، بل إن ما أقوله إن إدعاء العصمة معناه إجبارالغيرعلى قبول ما نراه في العقيدة دون أن نسمع رأيه فيها ، ولا أستطيع أن أدعي العصمة حتى وإن كانت لحماية أعز معتقداتي) (ص-42).

ويرى (مل) إن الدين و اﻟﻤﺠتمع الديني غيرليبرالي لأنه مجتمع في نظامه للحكم فردي إستبدادي ، ونظامه الاجتماعي العام مؤسس على الإجماع في الرأي وعلى تحريم النقد والنقاش المفتوح ، فمثلا يقول : حول تحريم الإسلام أكل لحم الخنزير(إن للمسلمين الحق في تجنبهم لحم الخنزيرلأنهم يعرفونه لكنهم عندما يحتقرون غيرهم ممن لا يعرفه ويأكله فإنهم يمسون بحرية ذلك الغير). وهناك غير (ستيورات مل) الذي اتخذ اليهود من نظريته إنطلاقا لتحقيق أهدافهم وهو(جوك لوك) الذي بحث في الليبرالية السياسية في كتابه العقد الاجتماعي فيقول :-

(بأن السلطة أو الحكومة مقيدة بقبول الأفراد لها ولذلك يمكن سحب الثقة منها) وهذه الليبرالية التي شاعت في الدول العربية والإسلامية أثناء عملية النقل الأعمى للسلطة نمت أيضا عند الأوروبيين بإسم الحضارة والنهضة الجديدة ، وما نجده اليوم أن الليبراليين يطالبون حكوماتهم بفتح مجال الحرية الأكثرللأفراد ،

وأكثرالأنشطة الليبرالية هوالإنخراط في جمعيات أسسها الغرب بعناويين مختلفة من أجل تغيرالنظرة للضمانات الاجتماعية و الاقتصادية. وقد جاء في بروتوكلات حكماء صهيون حيث وردت كلمة " الليبرالية "، بما يبين أن الفكرة ليست إلا غطاء لأهدافهم (لما كانت الحرية السياسية فكرة مجردة عن الواقع ، فمن الفرض اللازم معرفة سبيل تسخيرها من أجل السيطرة على الجماهيروضمهم إلى حزبنا ، ويقتضينا ذلك أن نقدم الطعم الذي يوقعهم في شباكنا).

لهذا دخل اليهود في اللعبة منذ الثورة الصناعية ، وتوسعوا في مفهومها حتى شمل نقض كل شيء في الحياة ــ الإله والإنسان والمعتقدات والأفكارــ فظهر(دارون) ونفى جود الله تعالى وقال للغرب إن المشاكل النفسية من الكآبة والعقد نابعة من الكبت الجنسي فشغل الغرب بالجنس ، ومع سقوط الشيوعية ظهرباحث أمريكي من أصل ياباني اسمه (فوكوياما) كتب كتابا أسماه " نهاية التاريخ "

الذي يعتبرالآن مرجعا للباحثين في الليبرالية استغله الغرب في الغزو الاقتصادي للعالم الإسلامي ، و ظهرت نظرية العولمة من رحم الليبرالية في السيطرة على كل مجالات الحياة ، كما جاءت الليبرالية الجنسية فألغت كل القيود ، فلم يعد الأب يتورع من نكاح ابنته نكاحًا مدنياً - غيركنيسي - ، ولم تعد الأخت تنظر إلى أخيها من منظور التحريم ، ولا تنظرالأم إلى ولدها في ممارسة الجنس بمنظار المحرمات ، وفي أمريكا منتديات يهودية مهمتها نقض الثوابت في ممارسة الجنس .

والأصوات اليبرالية الآن تنادي بتحريرالمرأة المسلمة من قيودها الشرعية الإسلامية ، حيث انطلقت مؤامرة لبرلة أوتحريرالمرأة من حجاب العفة والكرامة على يد) قاسم أمين (تنظيراً (وهدى الشعراوي وصفية زغلول (تطبيقا ، وانتشرت العدوى بعد ذلك إلى بلدان عربية عديدة حتى صارت بعض العربيات والمسلمات ينافسن الأوروبيات في الليبرالية الاجتماعية والأخلاقية.

بطبيعة الحال العلمانية لم تألوا جهدا لإبراز الوجه البشع للإنسان وهو يتجاسرعلى تعاليم السماء ويزورالنصوص السماوية من أجل إبقاء نظام عبودية الإنسان للإنسان محل التطبيق وتحت مظلة دينية وإنتاج جيل ممسوخ بنسخة مكررة من النسخة الغربية ، فالمرأة التي هي العنصرالمهم في صناعة الحياة أرادوا لها أن تتغرب و(رفاعة الطهطاوي) خيردليل على ذلك حين بعثه (محمد على باشا) إلى فرنسا ليرأس البعثة المصرية مرشدا وأعطاه إمامة الصلاة ، وإذا بالطهطاوي يرجع ويؤلف كتاب (تلخيص إبريز في تلخيص باريز) وقال فيه (إن السفور والإختلاط بين الجنسين ليست مدعاة للفساد) وبعدها ظهرت كتب كثيرة تشن حربا على النظام الإسلامي حول المرأة ، ومؤلفين ينادون إبعاد المرأة عن الدين والعبادة المهترية التي لا فائدة منها ، فكان الإله الذي رسمته التوارة لا يبالي بأحد من عباده زنى أو لم يزني المهم إنه مرتاح في ملكه وعرشه في السماء.

وتعتبرالليبرالية الأكثرعنفا في التعامل مع أبسط أخلاقيات الجنس البشري وهو الحفاظ على كرامته وعفته ، فالمرأة عند الليبراليين سلعة رخيصة لا قيمة لها ، فهي نجسة أينما وطئت قدماها كما جاء في النص التوراتي والإنجيلي ، وتسلب حقها من أبسط منظومة اجتماعية وعلاقة التي تربط الأبناء بأمهاتهم وآبائهم فتفسخت المجتمعات ، وفي ظل الليبرالية نجد أن الأب يرقص مع ابنته وأمه ويمارس معهم الفواحش فزادت حالات زنا المحارم في الغرب والشرق وكل ذلك باسم " الحرية " بعيدا عن الفتاوى الدينية أو التعاليم القرآنية ، لأن كل مبطل على وجه الأرض يلبس ثوب الإصلاح وزخرف القول حتى يروج بين الناس مايريد ويعتلي منصة القيادة الاجتماعية والاقتصادية على حساب القرآن والعقيدة.

إذن عرفنا أن العلمانية والليبرالية خرجتا من رحم النصوص التوراتية والإنجيلية والتي رسمتا فيها الصورة القبيحة للإله وللمرأة أيضا وغزت المجتمعات الإسلامية ، السؤال الذي يطرح نفسه أين كانت الشريعة الإسلامية أمام هذا الغزوالفكري باعتبارها أنها خاتمة الشرائع ؟ وما هو وضع المرأة عند الأنبياء عيسى وموسى (ع) إذا سلمنا أن النصوص في الكتاب المقدس مزوره ؟

سنرجئ الإجابة عليها في الجزء 4 من : المرأة في فكرالسيد (كمال الحيدري).

إلى اللقاء.


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الأربعاء 2025/1/8 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير