عندما نتحدث عن فقه المرأة ، ماذا يعني لنا ذلك ؟ ، تعريف الفقه هو الفهم ، نقول فقه فلان أي فهم فلان ، وعندما نقول فقه العالم الفلاني عن المرأة أي فهم العالم الفلاني عن المرأة ، هذا لغة أما إصطلاحا هناك نوعان من الفقه الأول : يُقصد بهِ معرفة الأحكام الشرعيّة المُتعلّقة بأعمال المُكلّفين وأقوالهم ، والمُكتسبة من أدلّتها التفصيليّة ، وهذه الأدلّة التفصيليّة هيَ القُرآن الكريم والسُنّة النبويّة وما يتعلّق بهما من إجماع واجتهاد ، أمّا المعنى الآخر للفقه فالمقصود بهِ الأحكام الشرعيّة نفسها ، أي ّأحكامَ الصلاة والصيام والزكاة والحجّ والبيوع والمُعاملات بشتّى أنواعها.
أما الشريعة قال تعالى : " ثمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" ، (سورة الجاثية - 18) وعليه تعرف الشريعة بمعناها العام على أنها دليل الدين الكلي ، حيث يُطلق هذ ا المسمى على جملة الأحكام والأوامر والنواهي التي شرعها الله عزوجل على عباده المؤمنين ، ليقدم لهم في ذلك منهجاً واضحاً لكل ما أحله وكل ما حرمه ونهى عنه ، تم تبليغه على لسان نبي أو رسول عن طريق الوحي ، وهذا هو المعنى الإصطلاحي لها كما جاء في موسوعة ويكابيديا.
من هنا يتبين أن الشريعة غيرالدين ، ويؤكد السيد (كمال الحيدري) بقوله : " لا يوجد لدينا شيء اسمه الدين الإسلامي بحسب النص القرآني ، عندنا شريعة قد تكون شريعة مسيحية أو شريعة يهودية أو شريعة إسلامية ، أما الدين حسب النص القرآني يوجد دين واحد فقط (إن الدين عند الله الإسلام) فكل الأنبياء والرسل وشرائعهم يستظلون بمظلة واحدة وهوالدين الاسلامي " (دروس في فقه المرأة السيد كمال الحيدري جزء 2).
أما القانون يقصد به القاعدة وهي نمط نظام معين مستقرضمن قاعدة معينة هذا لغة ، أما إصطلاحا القانون مجموعة قواعد قانونية في منطقة وزمن معينين ، ويطلق عليه أيضاً اسم القانون الوضعي؛ لأنّه يوضع بإرادة السلطة المسيطرة في البلاد.
بعد أن عرفنا التعريفات اللازمة نجيب على السؤال الذي طرحناه في الجزء الأول ، ما هي المنهجية التي رسمتها الشرائع السماوية للمرأة في الحياة ؟ هل وقفت إلى جنب المرأة لإستعادة حقوقها الحقه ؟ أم تضامنت مع الرجل ضد المرأة ؟
لكي نجيب على هذه الأسئلة سنأخذ الكتب السماوية (التوارة والإنجيل) أنموذجا لموضوعنا بإعتبارها شرائع سماوية نزلت على الأنبياء عيسى وموسى (ع) قبل الدخول إلى الشريعة الإسلامية المحمدية (ص).
المرأة في التوارة : 1- " وإذا كانت إمرأه لها سيل ، وكان سيلها دما في لحمها ، فسبعة أيام تكون في طمثها ، وكل من مسها يكون نجسا إلى المساء ، وكل ما تضطجع عليه في طمثها يكون نجسا ، وكل ما تجلس عليه يكون نجسا ، وكل من يمس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بالماء ، ويكون نجسا إلى المساء ، وإذا كان على الفراش أو المتاع الذي هي جالسة عليه عندما يمسه ، يكون نجسا " لاويين : 15-24:19
2- " إذا وجد رجل فتاه عذراء غير مخطوبة ، فأمسكها و أضطجع معها ، فوجدا ، يعطي الرجل الذي أضجع معها لأبي الفتاة خمسين من الفضة ، وتكون هي له زوجة من أجل أنه قد أذلها ، لا يقدرأن يطلقها كل أيامه " تثنية -22-28
3- " إذا سكن إخوة معا ومات واحد منهم وليس له ابن ، فلا تصيرإمرأة الميت إلى الخارج لرجل أجنبي ، أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ، ويقوم لها بواجب أخي الزوج ، و البكرالذي تلده يقوم بإسم أخيه الميت لئلا يمحى إسمه من إسرائيل" تثنيه- 25-6،5
المرأة في الإنجيل : 1- " كل من يطلق إمرأته ويتزوج بأخرى يزني ، وكل من يتزوج بمطلقة من رجل يزني" لوقا: 16-18
2- أحكموا في أنفسكم : هل يليق بالمرأة أن تصلي إلى الله وهي غيرمغطاه ؟ الرسالة الأولى إلى تيموثاوس [ 2 : 9]
3- وفي 1 تيموثاوس 2 : 12 – 14 : " وَلَكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ ، لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ ، وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي" (ترجمة فاندايك).
قد يسألني سائل لماذا نبحث عن المرأة في الكتاب المقدس يكفينا فقه الشريعة الإسلامية المحمدية ؟ الجواب : أنا أتفق مع السائل ولكننا إذا لم نتطرق إلى ما جاء في الكتاب المقدس لن نستطيع التعرف على التيارات الليبرالية والعلمانية التي غزت مجتمعاتنا وأبرزت المرأة إلى ما نجدها عليه الآن ، وسيتبين لكم أيضا أن التغيرات التي حصلت في فقه المرأة في القرن العشرين نابعة أصلا من نصوص في الكتاب المقدس ، من ناحية أخرى لذا لابد لنا من دراسة فقه المرأة في إطاره الشمولي كما قلنا.
ومن خلال قرأتنا لنصوص الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) نجد ملخص وضع المرأة هو كما وصفته الكاتبة المسيحية (إيما غريب خوري) في كتابها (المرأة في الكتاب المقدس) تقول في ص 10 " ماذا أقول عن المرأة ولماذا هاجمها أبناء الكنيسة ، الطريقة التربوية على الأرجح أنها ملاك وإبليس في أن واحد ".
وتستطرد قائلة " أن صورة المرأة في التوارة هي من رسم الرجل أي إنه هو من أراد أن يرسمها بصورة بغيضة تكرهها الوجوه ، فهي حملت في أحشائها مجرما وسفاحا ومؤمنا أيضا ، وهذا يدل أن المرأة ممكن أن تكون أفضل من الرجل لأنها حملت في أحشائها مؤمنا كعيسى المسيح وكاليصابات التي كافحت المجتمع الروماني الضاغط على النساء ".
هذه الصورة التي رسمها الرجل في الكتاب المقدس عن المرأة إنها حقيرة ونجسة وهي في وضع الطمث أينما وطئت قدمها في العمل أو البيت حتى لو لامست أواني المنزل فهي نجسة تنجس كل شيء حولها وبهذا تصبح المرأة مقرفة بكل المقاييس والاقتراب منها يعني أن تكون نجسا بأي حال من الأحوال ، من هنا شجع الكتاب المقدس الزواج من المرأة ولو بالقوة أواغتصابها أو خطفها لممارسة الجنس معها ، هذا في التوراة عن المرأة.
أما في الإنجيل نجد في تشريعاته إنه يحرض على الفجورمن أجل الخلاص من الحياة الزوجية فلن تستطيع أن تترك زوجتك وإن كانت عيشتك معها ستدفعك إلى الإنتحار، والمرأة لن تستطيع ترك زوجها إلى الأبد وإن كان لا يناسبها ليس هذا فقط بل من يتزوج من مطلقة فإنه يزني !!، ترى ما ذنب المرأة إن كانت مطلقة ؟ وما ذنب الرجل والمرأة معا إن أرادا الإنفصال عن بعضهما البعض ، من هنا يتضح لنا أن الكتاب المقدس حسب النصوص الواردة فيه بإسم شريعة الأنبياء عيسى وموسى (ع) ظلمت المرأة ولم تعطيها أدنى حق من حقوقها الشرعية والمدنية ، وعليه نستطيع القول أن التيارات الليبرالية والعلمانية التي أخرجت المرأة من أنوثتها وأفرغت طاقاتها الكامنة فيها والتي أخرجت لنا نظرية( unisex ) في القرن العشرين نابعة من تلك النصوص الواردة في الكتاب المقدس واحتضنتها النفوس في المجتمع الدين الإسلامي والإنساني.
السؤال الذي يجب أن نجيب عليه ، ما علاقة فقه المرأة بالتيارات الليبرالية والعلمانية ؟
سنرجئ الإجابة عليه منعا للملل في الجزء الثالث من : المرأة في فكرالسيد (كمال الحيدري).
إلى اللقاء.