الإمام الحسين (ع) السيرة والمسيرة (4)


عندما نقول نهضة الحسين (ع) فإنها تعني الحركه الإصلاحية وليست ثورة يسيل فيها الدماء وهو القائل " إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي" وإن كان لفظ الثورة قد هيمنت على وجدان أحرار العالم ولكن لا قيمة لها إذا لم تستلهم الشعوب منها دروسا لحل قضاياها المصيرية وبناء مقومات نهضتها.

لهذا أنا أتأسف عندما يدخل شهرمحرم أرى الكثيرمن الحوارات بين المسلمين سنة وشيعة تنشط بعيدا عن حقيقة النهضة الحسينية ، وكذلك بين حين وآخرتنقل القنوات الفضائية برامج عن عظماء المسلمين ولكنهم يتحاشون ذكرالحسين(ع).

ويصل الأمر إلى بعض الباحثين والكتاب وخطباء المنابر ومراجع الدين إلى محاولة الغمز في الحسين (ع) بشكل أو آخر، تارة تحميله المسؤولية في تشتيت وحدة المسلمين وتارة تبرئة ساحة يزيد بن معاوية في مقتله (ع) وتارة الترويج لإحياء الشعائر كالتطبير– مسيحية الأصل بالإستناد إلى الفقه لإستخراج فتوى تبيح هذه الممارسة وأمثالها بإسم الحسين (ع).

فتتفاعل معهم بعض الجماهير خوفا من رد فتوى المرجع هنا وإتهام بالتشيع هناك والأرض تدور وتسمع الصراعات الجانبية لتقوض أركان كل مناعة أوجدتها هذه النهضة المباركة للإسلام والمسلمين كافة.

سؤال : لماذا نجد هذه المضايقات الفكرية اتجاه هذه النهضة الحسينية ؟ الجواب : تعود جذورها إلى النهج الأموي القائم على إيجاد قاعدة شعبية لا يفرق الفرد فيها بين معنى الجمل والناقة ، فالذين سمعوا فضائل علي (ع) من لسان خاتم الرسل(ص) وقفوا ضده في صفين لماذا ؟

لأنه معاوية دخل المعركة على القاعدة العرقية فطالب بدم عثمان ولم يطالب بالخلافة لماذا ؟ لأنه عثمان أموي وعلي (ع) هاشمي فالصراع هنا قبلي وليس الخارجين على القانون ، فالذين أجبروا عليا (ع) بقبول التحكيم هم جنده وهم مجموعة قبائل وبمفهومنا الحاضر الأحزاب السياسية هي التي طالبت عليا (ع) بقبول التحكيم ، فصوت من هنا أقوى من الأخر صوت علي أم صوت الأحزاب السياسية ؟ صوت الأحزاب السياسية بلا شك هذه الأصوات تسمى ( بالفكر الشعبوي).

هذه السياسة استخدمها بنو أمية في التجاذبات العرقية بين الترك والشركس والفرس والعرب واستخدمها لصالحه ، فكل منهم له إرث حضاري يتحدث من خلال نصوص وأدلة شرعية تطورت فيما بعد إلى ظهور الأحزاب والمذاهب والقوميات لتتحدث وتتحرك كل واحدة منها بإسم طائفته وقبيلته ومذهبه وقوميته ولصالحه وليس لصالح الإسلام والمسلمين

لهذا نجد أن الخطاب السياسي الأموي إنحاز إلى صف تلك الأصوات العرقية الشعبوية في الحرب على الحسين (ع)، والدليل عندما دخل الصحابي سهل بن سعد الساعدي الشام ورأى الناس في فرح وسرور والنساء يلعبن بالدفوف سأل هل لكم عيد لا نعرفه ؟ فأجابوه لا ولكن سيدخل الآن رأس الخارجي الحسين بن علي.

بهذا المنطق هل إستطاعت اللغة العرقية أن تحول الحسين (ع) إبن فاطمة بنت خاتم الرسل (ص) عدوا جديدا للإسلام أم لم تستطع ؟ الجواب : نعم إستطاعت والأن هناك جهودا حثيثة لتبرئة يزيد من هذه الجريمة .

وللوصول إلى هذا الهدف من يجب عليه أن يتحرك القوى السياسية ؟ الجواب كلا بل القوى الاجتماعية لأنها هي الوحيدة التي تستطيع التمسك بالخطاب المزيف في إدارة شئون المجتمعات وتقديم من يخدم مصالحها ونهجها في الخطاب المزيف مثلا مفهوم الحرية في الإسلام هل هو نفس المفهوم في الليبرالية ؟

الجواب كلا الإسلام عنده قيود في استخدامها والليبرالية لا قيود فيها ، ألإسلام يقول إذا أديت الصلاة ولم تقمها فإن صلاتك ناقصة لا من حيث الممارسة بل من حيث التطبيق .

بالممارسة أنت تؤدي الصلاة بركوعها وسجودها وتهليلاتها ولكن الإقامة يجب ان يكون لها أثر خارجي يجب أن تكون عنصر البناء في المجتمع لا عنصر الهدم والليبرالية تقول لا تضع هذا القيد بالنتيجة هم يريدون ان ينسلخ الفرد من هويته الدينية واجتماعية

فإلى اين سيتجه إلى الخرافات ونشر الأحاديث الكاذبة والعمل على تدليس في الروايات فإذا وقع الظلم هل سيقوم الفرد في مقارعته ام سيقبل الظلم ؟ الجواب سيقبل الظلم وهذا الوضع الذي وصلت إليه الأمة الإسلامية في عهد الحسين (ع) ،

يقول مفتى عام سلطنة عمان (الشيخ أحمد الخليلي) في كتابه (الإستبداد مظاهره ومواجهته ص 367) (كانت الفترة التي حكم بها بنوأمية كافية لترسيخ فكرة قبول الظلم والرضوخ له والإستسلام للظالمين ورفع مراتبهم على الخلق).

إلى هنا عرفنا كيف تحرك الفكر الشعبوي والمنظرون له في تأسيس القاعدة الشعبوية لهم تعالوا معي لننظر كيف يتحرك الشعبويين بين الناس في الممارسة الخطابية بالنيابة عن المنظرين له ضمن هذا السياق التاريخي

اولا : قلت في بداية الحديث ان الجانب العرقي تطور فظهرت المذاهب والقوميات والأحزاب ، ولكل هذه الأفكار لها نمط خطابي أيدلوجي معين يريد فرض تصوره على بقية أفراد المجتمع وتبرير الوضع الراهن والدفاع عنه فعندما يريد الفكر الشعبوي السيطرة على المجتمع يزج بالشعبويين غلى إستخدام المسمى الأيدلوجي هذا شيعي وهذا سني هذا عربي وهذا فارسي

ثانيا : ربط الشعبويين بشخصية واحدة ذات مواصفات معينة وعدم قبول التعددية ، مثال : أنا من المذهب الفلاني وأنا هي الحقيقة فقط ، أنا مرجع دين وأنا هي الحقيقة فقط ، أنا أحمل شهادة عليا وأنا هي الحقيقة ، فتم خلق مجتمع ذات إحساس معين في الإنتماء

لهذا هل تستطيع منع بعض الممارسات الشعائرية والتي لا أصل لها في الشريعة الإسلامية كالتطبير والتطيين والزحف والراب الحسيني ؟ لاتستطيع لأنه المرجع الفلاني الذي افتى بجوازها هو الحقيقة وقس على ذلك ما سواها

ثالثا : إستخدام تمثيل الشعبويين لبعض القيادات الاجتماعية أو الدينية في المحافل الاجتماعية هو من أجل تفكيك التلاحم الفكري بين المدارس الفكرية والفقهية المختلفة بإستخدام مصطلحات ومفردات التخوين لتصوير المشكلة في أذهان الناس أنها مشكلة عقائدية تمس جوهر المذهب والشريعة كإختلاف في أصل الخمس ضمن المدارس الفقهية ليتحول هذا الإختلاف إلى مشكلة شخصية والهدف هو لإضعاف الفكر المتجدد لا لمناقشته للوصول إلى الحقيقة الفقهية الصحيحة لتطوير هذا الجانب أوغيره .

  • التمثيل عند الشعبويين لهذه الشخصية أو تلك مفهوم جبري فهو تفويض جبري فلا توجد هناك إرادة ذاتية من أساسها ، فإذا أردت تنزيلهم إلى الواقع فإنهم يتصرفون ضمن دائرة الجبر.

بالنتيجة سقطت النخبة تحت وطأة إستقطاب الفكر الشعبوي وصعد الشعبوي ، فلا تتعجب إذا سمعت أن 30 ألف مقاتل إزدلفوا لحرب الحسين (ع).

وإذا أردت تصحيح هذا الفكرعليك أن تستخرج النخب الفكرية الجديدة من أوساط الفكر الشعبوي. والحمدالله رب العالمين


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير