الإمام الحسين (ع) السيرة والمسيرة (3)


توقفنا فيما مضى في الحلقة (2) عند (باقرشريف القرشي) لنتعرف على مصادر معلوماته في كتابه حياة الإمام الحسين (ع) . باقرشريف القرشي المتوفي عام 1344 هجري كتب عن حياة الحسين (ع) 3 مجلدات ، وتعتبرهذه السيرة المصنف الأول عند المسلمين الشيعة بعد مضي قرونا عديدة ليكون أهم كتاب في سيرة الحسين (ع) في العصرالحديث .

يقول باقر القرشي في ص 21 منه (إن الأقلام التي تناولت كتابة التاريخ الإسلامي في عصوره الأولى لم تكن نزيهة ولا بريئة على الإطلاق فكانت تخيم عليها النزعة المذهبية).

وقال أيضا : (إن السلطات السياسية في تلك العصورأخذت على المؤرخين أن يضعوا التاريخ تحت تصرفهم فلا يكتبون إلا ما فيه تأييد للسلطة السياسية).

إذن نحن أمام كاتب يستشكل على الموروث التاريخي ، ويرغب في تصحيحه.

تعالوا أولا لننظر ما هي المصادر التاريخية التي أعتمدها في كتابة سيرة الحسين (ع) وتحديدا في أحداث واقعة كربلاء ، ثم نتعرف هل كتابه هذا كان تأييدا للسلطة السياسية أم لا ؟

وهل خيم عليه النزعة المذهبية أم لا؟

الجواب : المصادرهي (المقتل لأبي مخنف ، تاريخ الطبري ، بحار الأنوار للمجلسي ، الكامل في التاريخ لإبن الأثير ، الفتوح لإبن أعثم وغيرهم في مواضيع أخرى).

نأتي على بعض الجوانب من هذا الكتاب ،

جاء في ص 68 (وقد نزل بالقرب منه زهير بن القين البجلي وكان عثماني الهوى) باقر شريف القرشي لا يذكر مصدر لهذا الإتهام مما يعني أنه ينقل قناعته الشخصية في زهير بن القين على أنه عثماني الهوى.

من أول من اتهم زهير بن القين بذلك ؟ أول من إتهم زهير بن القين أنه عثماني الهوى هو الطبري في ج 4 ص 316 عن (عزرة بن قيس) أنه قال لزهير ليلة عاشوراء (ما كنت عندنا من شيعة هذا البيت بل كنت عثمانيا فرد عليه زهير قائلا : أفلست تستدلّ بموقفي هذا أنّي منهم؟! أما والله، ما كتبت إليه كتاباً قط،)

وعثماني الهوى مصطلح سياسي يشير إلى ميل الشخص إلى الخليفة عثمان وأنه قتل مظلوما ويتحمل الإمام تبعاته ، والبعض ذهب إلى تفسير عثماني الهوى أي أموي الهوى لأن عثمان كان أمويا ،

ومن أجل الإنصاف التاريخي دعونا ننظر ماذا يقول التاريخ عن زهير بن القين.

الحسين (ع) قال لزهير بن القين ليلة العاشر من المحرم عام 61 هجرية : " لئن كان مؤمن آل فرعون نصح في قومه وأبلغ في الدعاء ، لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والبلاغ " (زهير بن القين - سيد علي جمال - ص 25).

الحسين (ع) وصف زهير بن القين بمؤمن آل فرعون وهذا الوصف لم يأتي عبثا لأنه (ع) وجد في زهير بن القين نفس صفات مؤمن آل فرعون المذكور قصته في القرآن الكريم الذي عاصر موسى النبي (ع).

وقد ذهب البلاذري أنه كان يشغل منصب ولي العهد أو صاحب الشرطة ، يقول (الصدوق في الأمالي ص 533) هو إبن خال فرعون وإسمه كما جاء في موسوعة ويكابيديا (حزقيل بن صبورا). ما هو وجه الشبه بينه وبين زهير بن القين ؟ ، ركزوا معي رجاء

حزقيل نبه موسى (ع) أن فرعون أصدر قرارا لإغتياله فساعده على الخروج من المدينة ، زهير بن القين ساعد الحسين (ع) بالخروج من مكة ، والدليل جاء في مروج الذهب – للمسعودي – جزء 3 ص 56 نزل وفي رواية خرج مع الحسين بن علي (ع) 500 فارس و 100 راجل وهو المؤرخ الوحيد الذي ذكر هذا العدد.

وفي تاريخ الطبري جزء5 ص 396 قال : " كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة نساير الحسين (ع) فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نسايره في منزل ، فإذا سار الحسين (ع) تخلف زهير بن القين ، وإذا نزل الحسين (ع) تقدم زهير.

الطبري يقول كانوا مع زهير يسايرون الحسين (ع) مع أنه خرج يوم 8 ذي الحجة 60 هجري وزهير أتم الحج وخرج من مكة بعد 5 أيام ، من هم هؤلاء الذين سايروا الحسين (ع) من مكة إلى كربلاء ؟

إذا سلمنا أن الحسين (ع) خرج معه 72 رجلا حسب بعض الروايات ، من أين جاء هؤلاء أل 500 فارس ؟ أليست هذه دلالة واضحة أن من كان يساير الحسين (ع) إذا تحدثنا بلغة العصر فرقة عسكرية مجهزة للتدخل السريع إذا وجب الأمر

وهذه الفرقة دخلت مع زهير بن القين مكة وخرجت مع الحسين (ع) بدون أن يكون زهير معهم وفعلا أصطدمت هذه الفرقة لحظة خروجه (ع) مع عسكر والي مكة ، راجع (الأخبار الطوال للدينوري ص 253).

ويوم العاشرمن المحرم زهير بن القين كان على ميمنة عسكر الحسين (ع) وقيادة العسكر لا تعطى إلا لقادة كتائب الجيش ، شخص مثل هذا يكون عثماني الهوى أم حسيني الهوى.

نستنتج أن إتهام الطبري لزهير بن القين إنه عثماني الهوى كان سياسيا بإملاءات السلطة العباسية ، وهذا التأثير بقي في كتب المسلمين إلى اليوم بحيث نجد قناعة (باقر شريف القرشي) بهذه التهمة سجلها في كتابه ،

والغريب أن باقرشريف القرشي إستشكل على كتب التاريخ أنها كتبت تأييدا للسلطات السياسية ، بالنتيجة هو أيضا خدم السلطة السياسية فيه.

هذا من جانب ، من جانب آخر قال : إن كتابة التاريخ خيم عليها النزعة المذهبية ، أليس كذلك لنرى كتابه حياة الإمام الحسين (ع) هل هو ذات طابع مذهبي أم لا ؟

الجواب : ج 1 من ص 215 إلى نهاية الجزء ثم ج2 من ص 6 إلى ص 120 في إثبات الوصية لعلي (ع) من بداية مؤتمرغدير خم ومرورا برزية الخميس إلى وقت شهادته (ع) ثم إنتقلت الخلافة إلى الحسن بن علي (ع) ثم الصلح مع معاوية وحتى استشهاده (ع).

ومن ج2 ص 121 إلى نهاية جزء 3 كلها أحداث ما بعد مقتل سيد الشهداء (ع) إلى ثورة المختار الثقفي ، والكتاب من بداية تأسيسه ذات طابع مذهبي وإنتقائي بإمتياز.

خلاصة القول إن كتب السير إذا جرى الحديث عن سيرة سيد الشهداء (ع) في الوسائل الإعلامية المتعددة العائد أمامنا ما هو؟ حياة الإمام الحسين – باقر شريف القرشي ، تاريخ الطبري ، مقتل أبي مخنف ، فهي إما إنها غير معتبره أو ذات إملاءات سياسية أو ذات طابع مذهبي إنتقائي .

وهذه الإشكالية تفتح لنا باب الأزمة التي شكلتها هذه المؤلفات وأمثالها والأصوات المساندة لها لأننا لا نكاد نمسك طرف الخيط منها ، من هنا نعرف لماذا لا يخضع هذا التراث للتساؤل ؟

الجواب : بسبب الترويج المبطن للوصية والإمامة بعد خاتم الرسل (ص) والإبتعاد عن معرفة العوامل التي تميزت بها شخصية الحسين (ع) من حيث العقيدة والشريعة والعلم والأخلاق

فعندما يريد أحد التعرف على سيد الشهداء (ع) يجب أن يجد السيرة الشاملة له (ع) وتكون واضحة للجميع بحيث يستطيع كل فرد أيا كان مذهبه وإنتمائه العقائدي الرجوع إليها ليجد مبتغاه المعرفي فيها.

وبدون ذلك فإننا نبحث عن الخطأ ولا نبحث عن العلاج بالنتيجة ستتوسع دائرة الأباطيل وتضيق دائر الحقائق ،

وهذا هو سبب ظهورالخرافات والأساطير والفكرالشعبوي والذي سأتحدث عنه في الحلقة القادمة إن شاء الله ، والحمدالله لله رب العالمين .


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
السبت 2025/4/19 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير