هل أتاك حديث الحسين بن علي


 صدر كتاب ( وقائع عصر أنغلوساكسوني) الذي ترجمه ونقحه ميشيل أسوانتون ، وصدر في بريطانيا عام 1996م وأعيد طباعته ثانية من قبل جامعة أكسترا في ولاية نيويورك الأمريكية عام 1998م  حيث جاء في صفحة 35 مانصه " في عام 685 للميلاد مطرت السماء دما وتحول الحليب والزبدة إلى دم أو صار لونه أحمر"  وسنة 685 للميلاد تقابله سنة 61 للهجرة  وهي السنة التي قتل فيها الإمام الحسين (ع)  يوم العاشر من المحرم .

 وكتب محب الدين الطبري الشافعي في ذخائر العقبى لذوي القربى ص144 طبعة القدسي بالقاهرة ذكر ابو نعيم الحافظ في كتابه دلائل النبوة عن نضرة الازدية انها قالت لما قتل الحسين بن علي امطرت السماء دماً، فاصبحنا وجبابنا أي ابارنا وجرارنا مملوءة دماً . كذا نقل ابن عساكر الدمشقي الشافعي في تاريخ مدينة دمشق ج 2 ص 339 طبعة روضة الشام قال ويقال ان السماء امطرت يومئذ دماً أي يوم قتل الحسين فاصبح اهل ذلك القطر وكل شيء لهم مملوءاً دماً.

 وأيضا عن دلائل النبوة لابي نعيم الاصفهاني روى ابن حجر الهيثمي المكي الشافعي في الصواعق المحرقة ص 116 لطبعة عبد اللطيف بمصر، والسيوطي الشافعي في الخصائص الكبرى ص 126 طبعة حيدر آباد، وباكثير الحضرمي المكي الشافعي في وسيلة المآل في عد مناقب الآل ص 197 من المخطوطة، والشبلنجي الشافعي في نور الابصار في مناقب آل النبي المختار ص 123 طبعة مصر قال وروي ان السماء امطرت دماً، فاصبح كل شيء مملوءاً دماً، وحديث القارورة عن المقريزي، إمتاع الأسماع،      ج ‏12، ص 238 أن جبرائيل اخبر النبي الخاتم (ص) ان أمته ستقتل الحسين وأعطاه تربة التي سيقتل عليها فناولها لأم المؤمنين أم سلمة وقال لها إذا تحولت هذه التربة دماً، فاعلمي أنّ ابني قد قُتل، فجعلتها أم سلمة في قارورة  ولما كان يوم عاشوراء رأت التراب تحول إلى دم عبيط..

 فبأي حديث بعده نؤمن بأحقية منهج ورسالة ونهضة الحسين بن علي، فهذا الحديث فيه بيان كل شيئ وبلاغ للناس وليذَكرَ أولو الألباب . والحديث عن الحسين بن علي، هو حديث في بناء هوية الإنسان وغرس القيم الأخلاقية فيه بما يمتاز به من صفات ومقومات يجعله يتأقلم مع المحيط الذي تتجاذب فيه مصالحه ليصل إلى نضج يكون فيه قادرا على مسك زمام أمور المجتمعات لتصل فيها البشرية إلى قمة تطورها في الحياة وعلى جميع الأصعدة ، ولا يمكن أن تصل البشرية إلى هذا النضج التكاملي دون إدراك هويتها وتماسكها الجمعي الذي ترتبط فيه برباط الإنتماء. وهذا الإنتماء لا يكون في حالة غياب المثل الأعلى الذي يلهم الأفراد والجماعات ويحثهم على السعي في الإستمرار لأداء شرف تطبيق الأهداف الإصلاحية ، على سبيل المثال وليس الحصر: العدل والعلم ، والإنصاف ، والوسطية.

فالعدالة تقتضي قول الحق والمشورة بالعدل ، ومعرفة الحق هو المسار الحقيقي إلى العدالة الاجتماعية وإختلال توازنه يؤدي إلى الاضطرابات والعصيان المدني في المطالبة بالمساواة في توزيع الحقوق ، يقول الحسين (ع) (ألا ترون إلى الحق لا يعمل به). وهذا الحق لا يخص طائفة دون الأخرى ولا مذهب دون الآخر ولا دين دون غيره ولا جنس دون الآخر ، لا تمييز بين العالمين ، لهذا لا يمكن قراءة نهضته (ع) بنظرة المسلمين الشيعة بشكل خاص أو بنظرة المسلمين بشكل عام بل يجب قراءتها بنظرة شمولية فهي تخص كل العالمين ، فمن قال غير هذا فهو واهم.

فالعدالة الإجتماعية تعني أن تكون هناك مساواة بين جميع الطبقات الاجتماعية ، فإذا وجد العجز في توفير الضروريات لأفراد المجتمع فهل تبقى هناك أحقية الإعتراف لهذه الجهة أو تلك ؟ مؤكد لن تبقى ، فعندما نسمع في بعض الأدبيات العاشورائية عبر القنوات الإعلامية المتعددة أن الماء قد نفذ في مخيم الحسين قبل 3 أيام من استشهاده  وقد علت أصوات الأطفال ينادون العطش العطش أو أنه خاض معركة غير متكافئة العدد ،  فهل سيبقى للحسين بن علي إعتراف بقيادته أم لا ؟ مؤكد لن يبقى. 

والحال تراثنا الثقافي يقول عكس ذلك ، فقد جاء في كتاب ( أبناء رسول الله في كربلاء – خالد محمد ص 119) نقلا عن البداية والنهاية ج1 ص 169 ( أن الحسين اغتسل وتطيب ليلة عاشوراء قبل أداء صلاة الليل قائلا ( إن الله يعرف أني أحب الطيب ... الخ). ونشرت وكالة براثا الشيعية على موقعها الإلكتروني مقالة للأستاذة ( ولاء الصفار) نقلا عن الموقع الإلكتروني للعتبة الحسينية الرسمي بتاريخ 24-10-2015 ( أن العباس اقتحم المشرعة أكثر من مرة يوم العاشر وسقى مخيم الحسين ).وجاء في موسوعة الإمام الحسين ص 440 أن الطرماح بن عدي دنا من الحسين (عليه السلام) وقال له " إني والله ! لأنظر فما أرى معك أحدا ! ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم ، وقد رأيت - قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم - ظهر الكوفة ، وفيه من الناس ما لم تر عيناي - في صعيد واحد - جمعا أكثر منه ، فسألت عنهم ، فقيل : اجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحون إلى الحسين".  

بهذا نستنتج أن جيشا جرار يستعد لمنازلة الحسين بن علي ، وحسب قول (الطرماح) أنه لم يرى مثل هذه التجهيزات العسكرية الأموية من قبل لا في صفين ولا في غيرها ، وهذا يعني أن محلات الحدادة كانت تعمل ليل نهار في صناعة السيوف والدروع  والرماح لجنود يزيد قبل شهرين على أقل التقديرات ، فهل يعقل أن يكون عدد أنصار الحسين 72 رجل في قبال 30 ألف من جيش يزيد.

 وأنا أتسأل أين هي قبيلة بني عجل وقد وصل تعداد مقاتليهم في معركة صفين ما يربو عن 3 الآلاف مقاتل إلى جنب أمير المؤمنين  وقد نزلوا الكوفة بعوائلهم عندما نقل (الإمام علي) عاصمته إليها ، و قاتلوا إلى جنب (الحسن بن علي)  ضد معاوية ، ناهيك عن قبائل أخرى التي أعلنت ولائها لآل بيت النبي (ص)  كما جاء في كتاب أنساب الأشراف وأعيان الشيعة من بني بكر بن وائل والبجلة والنخعي وبنو همدان وبنو قيس وبنو سامة بن لؤيء  وبنو أسد وغيرها ، كيف ذابت هذه القبائل مثل الشمع من صفحات التاريخ  يوم كربلاء ، علما أن معركة كربلاء بدأت في اليوم السابع من المحرم ، هذا العدد البسيط من أنصار الحسين بن علي ليسوا بحاجة إلى إطالة أمد المعركة ، حدث العاقل بما لا يليق فإن صدق فلا عقل له ، ثم ما ذنب الحسين بن علي إذا كان هناك غياب لدى البعض في مراجعة تراثهم ورصيدهم الفكري والثقافي فهذه مشكلتهم لا مشكلة الحسين بن علي.  

أيها السادة  ، نحن نعيش الآن اللحظات التاريخية المليئة بالاضطرابات والفتن وتزيف الحقائق التي فرضت نفسها على مجتمعاتنا الإسلامية شئنا أم أبينا ، فإن العقل والواجب يحتمان علينا الانتباه ، وعدم الإهمال في تصحيح الأخطاء التاريخية ولا نغفل عنها. و هذه النهضة  كتب فصولها الحسين بن علي  ليعطي للإسلام الروح والصحوة من جديد ، حطم بذلك إطار الزيف الديني الذي راح الأمويون  يحوكونه بغية أن يصير ما اغتصبوه حقا شرعيا ، فأصبحت كربلاء مكون أساس الوعي والصحوة والسعي إلى التغيير . فهمت الشعوب رسالة الحسين بن علي إليها فانطلقت تجد السير نحو تحقيق أهدافه ، متحدية أي نوع من أنواع الصعاب والعقبات التي تحول دون تحقيقه  فهي لا تنتظر اليوم من غيرهم ولا من أحد أن يسبقها إلى القيام بمسؤولياتها ، كل من يرى نفسه في موقع المسؤولية في مسار التغيير والإصلاح عليه أن يبادر أولا ولا ينتظر أحدا غيره للقيام بالمسؤولية من هذا النوع .

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين  وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.

الصورة : العتبة الحسينية عام 1932 م 

 


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الأربعاء 2025/1/8 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير