
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرةَ الحَبر الأعظم للكنيسة الكاثوليكية في العالم
البابا لاوون الرابع عشر، الكلّي الاحترام.
تحيّةً طيّبةً.. وبعد،
في البدء، نُعرِب عن ترحيبنا الكامل وتقديرنا العالي لمقامكم، وللزيارة التي خصصتم بها لبنان؛ هذا البلد الجميل بما حباه الله من موقعٍ جغرافي، وتنوّع طائفي مُنتظِم، في إطار عيشٍ واحدٍ وتوافقٍ عامٍّ هما سمتان ضروريتان لاستقرار نظامه السياسي وأمنه الوطني..
لقد سبق لِسَلَفِكم الأسبق، البابا يوحنا بولس الثاني، أن اعتبر لبنان "ليس مجرّد وطن، بل رسالة".. وواقع الأمر يُثبت أنّ لبنان، بتكوينه المتنوّع، يمثّل صلة وصل حضاري بين أتباع الرسالتين السماويتين، المسيحيّة والإسـ..ـلامـيّة، وبين أتباع الاتّجاهات الدينيّة والثقافيّة والعلمانيّة في كلّ دول العالم وقارّاته.
وحين يكون الإنسان محور اهتمام كلّ الديانات، وحتى الاتّجاهات العقائدية الوضعية، يمكن الاستبشار بالخير والتفاؤل بإمكانية تحقيق سلامٍ وأمنٍ دائمَين.
وإذ نقرأ في توجيهاتكم ورسائلكم، حرصًا أكيدًا على حقوق الإنسان، ووجوب احترامها وحمايتها، فإنّ تلك الحقوق تتخطّى الجانب الفردي إلى دائرةٍ أوسع، هي دائرة الشعوب.
وما يشهده العالم اليوم من نزاعات.. فإنّ السبب الأعمق لذلك هو تنصّل البعض من أي التزامٍ، أو اعترافٍ بحقّ الإنسان الآخر، سواء لسبب اختلافٍ معه في الدين أو اللون أو العرق أو اللغة أو المصلحة..
ولا يَخفى أنّ ضمور احترام حقوق الإنسان لدى البعض، سواء كانوا زعماء أو جهاتٍ أو أحزابًا أو طوائف أو دولًا أو منظّماتٍ، فإنّ ذلك يُنعش ويغذّي اتجاهات الطمع والسيطرة والتسلّط واللجوء إلى القوة بدل الاحتكام إلى العدالة.
المأساة التي شهدتها غزّة في فلسـ.ـطين المحتـ.ـلة خلال السنتين الماضيتين، ولا تزال، هي مأساة ناجمةٌ عن إمعان المحتـ.ـلين الصـ.ــهـ..ـاينـة بسلب حقوق الشعب الفلسـ.ـطيني في أرضه ووطنه وتقرير مصيره، وعن تنكّر النظام الدولي لاعتماد مقياس العدل والحق لإيجاد حلّ للصراع المستدام في منطقتنا، بين صاحب الأرض والوطن، وبين الــغــ..ــاصــب المحتـ.ـل لهما.
كذلك، فإنّ المعاناة التي يعيشها اللبنانيّون، جرّاء الاحتـ.ـلال الصهـــيونـ.ـي لبعض أرضهم، ومواصلة اعتـ.ـداءاته عليهم وتهديد أمنهم واستقرارهم في بلدهم؛ طمعًا بالتسلّط على مياههم وأرضهم وثروتهم من الغاز، ومحاولةً منه لفرض إذعانِ وخضوعِ اللبنانيين لشروطه الأمنية والتوسعية والسياسية، التي لا قعر لها ولا نهاية.
ومما لا شكّ فيه هو أنّ الاحتـ.ـلال الصهـــيونـ.ـي يحظى - وللأسف الشديد - بدعمٍ غير محدودٍ من دولٍ كبرى، تشاركه نزعة التسلّط والطمع بمصالح بلدنا ومنطقتنا، دون أيّ اكتراثٍ بحقوق شعبنا وشعوب المنطقة.
إنّ ما قام به الـ.ـعـ.ـدو الإســـ..ـرائيلي في غـ.ـزة بحق الشعب الفلسـ.ـطيني هو جريــ.ـمة إبادةٍ موصوفةٍ ؛ وما يقوم به في لبنان، هو عد وانٌ متمادٍ مرفوضٌ ومُدانٌ.
إننا في حـ.ـزب الله ننتهز فرصة زيارتكم الميمونة إلى بلدنا لبنان.. لنؤكد، من جهتنا، تمسّكنا بالعيش الواحد المشترك، وبالديمقراطية التوافقية، وبالحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي، وبحرصنا على السيادة الوطنية وحمايتها، بالوقوف مع جيشنا وشعبنا لمـ..ـواجهة أيّ عد وان أو احتـ.ـلال لأرضنا وبلدنا.
كما أنّنا نلتزم بحقنا المشروع في رفض التدخل الأجنبي، الذي يريد فرض وصايته على بلدنا وشعبنا، ومصادرة قراره الوطني وصلاحيات سلطاته الدستورية.
وإذا كانت عقيدتنا تؤكد أنّ أنـ..ـصـار يسوع المسيح عيسى بن مريم، هم رسلُ محبةٍ وحفظِ حقوقٍ واحترامٍ للإنسان، فإننا نعوّل على مواقف قداستكم في رفض الظلم والـ.ـعـ.ـدوان، اللذين يتعرَض لهما وطننا لبنان على أيدي الصـ.ــهـ..ـاينـة الغزاة وداعميهم.
هذا ما نُوْدِعكم إياه خلال الزيارة، التي تعبّرون فيها للبنانيين جميعًا عن اهتمامكم ومحبتكم وتعاونكم، والتي نتمنى لمقامكم فيها الراحة والسلامة؛ راجين من الله سبحانه أن يمنّ على المظلومين في العالم بالعدل والأمان والفرج.
مع أطيب التمنيات..