حديثي هذه المرة ليس سهلاً، والبحث الذي قررت أن أطرحه عليكم ليس بسيطاً، بل على العكس هو من أهم البحوث التي لا يمكن الاستغناء عنها، فهو ليس بحثاً عن حادثة تاريخية أو عن شرح نظرية دينية أو اجتماعية أو فلسفية أو مناقشة حالة اقتصادية أو اجتماعية كثُر اللغط فيها لا هذا البحث ليس كذلك .
. دعوني أوضّح ما أريد بيانه لكم، من منكم لم يسمع بحادثة الحرم المكي، أعتقد أكثركم سمعها، لا بأس سأعيد قصة هذه الحادثة. بتاريخ 1 محرم عام1400 هجري الموافق 20 نوفمبر عام 1979م حاصرت الحرم المكي مجموعة مسلحة أكثر من 200 مسلح استولوا على الحرم المكي وهو من مقدسات المسلمين بقيادة جهيمان العتبي الذي ادعى أنه المهدي المنتظر وذلك إبان عهد الملك خالد بن عبد العزيز
هزت هذه الحادثة العالم الإسلامي برمته، فقد وقعت مع فجر أول يوم من القرن الهجري الجديد، وتسبّبت بسفك الدماء في باحة الحرم المكي، وأودت بحياة مصلّين مدنيين، ورجال أمن، ومسلحين متحصنين داخل الحرم. هذه القضية العربية وقعت في أطهر بقعة على وجه الأرض، أشخاص لهم لغة واحدة وهدف واحد ونداء واحد، ألا وهو ظهور المخلص العالمي ليطهّر الأرض من الفساد والجور والظلم وليملأها عدلاً وقسطاً، أليست هذه هي أهداف المهدي المنتظر أنه سيخرج ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، فهو أمل المستضعفين ، ثار الله ، مخلص البشرية ، المنقذ العالمي وغيرها الكثير من الألقاب التي مُنحت لشخصية المهدي المنتظر عند المسلمين، كلٌّ حسب قراءته لها أعطاها لقباً خاصاً، وقد يكون هذا اللقب في بعض المجتمعات يعيش ضمن حركة مهدوية تسعى لطرح أفكار جديدة عنه، وكلُّ ذلك لا يفسد للود قضية، المهم أن هذه الألقاب كلها تتمحور حول شخصية واحدة وهدف واحد وهو تخليص البشرية من الظلم والجور.
الإجماع العام يؤكد أنه قادم، ولكن التفاصيل قد تختلف عند هذه المدرسة الفكرية أو تلك، وهذا الاختلاف لا يستدعي إيجاد شرخ في صفوف أبناء دين واحد، ولكن ما هو مؤكد أن قدوم المهدي المنتظر حقيقي وليس من نسج الخيال، هذا المعتقد لم ينحصر على أتباع الشريعة المحمدية، بل هو موجود في كلّ الديانات التي تعتقد بوجود مخلص.
إن حادثة الحرم المكي لم تكن الحادثة الوحيدة التي ضجّت بها وسائل الإعلام العالمي، بل هناك من ظهر في عام 2021م وفي خطبة الجمعة أيضاً ادعى أنه المهدي المنتظر، وهناك من ادعى أنه ابن المهدي المنتظر وقد أتى ليبلغ رسالة أبيه المهدي، وظهر فيما بعد أنها مكيدة دينية، ولعل أشهرها ما ادعاه محمد عبد الله نصر الداعي المصري المعروف بالشيخ ميزو أنه المهدي المنتظر، وأيضاً اعتبرت فيما بعد أنها مكيدة إعلامية.
مثل هذه الادعاءات كثيرة من بينها ذلك الذي خرج في بورسعيد في الانتخابات عام 2012م لابساً العمامة الخضراء وادعى أنه المهدي المنتظر، وجميع هؤلاء إما لاحقتهم الأجهزة الأمنية أو تم إغلاق مكاتبهم أو قتلوا في المواجهة المسلحة مع الشرطة في ذاك البلد، المهم لم يستطع أحد من هؤلاء وغيرهم أن يثبت صحة ادعائه، فبعض هذه الادعاءات أصبحت نسيّاً منسيّاً، والبعض غيّر مسار دعوته لأجل البقاء، ولكن فكرة قدوم المهدي المنتظر بقيت صامدة وإلى الآن لم تنس من ذاكرة الناس إن لم يكن قد بنوا لهم مساجد للعبادة في الدعاء إلى الله لتعجيل ظهوره.
وكلما جاء ذكر المهدي المنتظر مباشرة تعود الذاكرة عند بعض الناس عن مدعي ابن المهدي أو تلك الحادثة التي تمت فيها محاصرة الكعبة المشرفة، والمفارقة بين هؤلاء المدعين بالمهدوية سنجد أن مستواهم العلمي والثقافي لم يتجاوز مرحلة الثانوية العامة بل أكثر من ذلك عائلاتهم تبرأ منهم ، ولكنهم استطاعوا أن يجمعوا حولهم أتباعاً ومدافعين عن فكرهم في أماكن متعددة من العالم ،علماً أن هؤلاء المدعين لم يقدموا شيئاً في نصرة قضايا الأمة الإسلامية، الأمر الذي جعل بعض هذه الحركات المهدوية تنهار والبعض اكتفى بالركون إلى مبدأ انتظار المهدي المنتظر، والسبب يعود إلى الصفات والشروط الواجب توفرها في المهدي حسبما جاء في كتب الحديث أن اسمه محمد وهو من نسل الرسول الخاتم (ص) أجلى الجبهة، ويجب أن تتوافق صفاته مع صفات جدّه المصطفى (ص) .
إذن هذه الشروط لا تتوفر في المدعين بالمهدوية فما العمل ؟ لذا يجب أن نبحث عن شخصية تجتمع فيها هذه الصفات والشروط، لهذا وجد جهيمان العتبي في محمد بن عبد الله القحطاني الذي كان ليّن الحديث من نسل خاتم الرسل (ص) فطلب من أتباعه مبايعة القحطاني على أنه المهدي المنتظر، ومن لم يستطع من المدعين بالمهدوية إبراز شخصية تتفق مع شروط يجب توفرها في المهدي المنتظر غيّروا مسار دعوتهم إلى اليمانية أنه هو اليماني الموعود . والحمد لله رب العالمين.