" اللهم إني أسألك بمحمد المصطفى وشوقه إلي ، وبعلي المرتضى وحزنه علي ، وبالحسن المجتبى وبكائه علي ، وبالحسين الشهيد وكأبته علي ، وبالبنات الفاطميات وتحسرهن علي ، أن ترحم وتغفر للعصاة من أمة محمد وتدخلهم الجنة ، إنك أكرم المسؤولين وأرحم الراحمين " .
هذا الدعاء آخر ما سطرته (فاطمة الزهراء) في صفحات حياتها ، ورحلت عن الدنيا وهي مطمئنة على سلامة رسالة أبيها محمد النبي (ص)ـــ القدوة للعالمين ـــ فقد أدت مسؤوليتها اتجاه الإسلام على أكمل وجه. لنكتشف منه أنه عندما تكون التعابيرالصادرة من صميم الوجدان الإسلامي فإن هذا الوجدان ليس فقط قرين الروح النقي بل أيضا قرين العقل المنفتح نحو معتقد واحد وهدف واحد لتكون منارة ترشد العالمين إلى نور الحقيقة والحفاظ على جوهر العقيدة وضمان وحدة الصف الإسلامي والإنساني معا.
من هنا يحيلنا هذا التراث وهذه المقتطفات إلى السير للتغيير المباشر في قاموس الفكر السياسي العام بعيدا عن التأسيس المذهبي ، وهو فعل اجتماعي قبل أن يكون فعلا دينيا. فإن استيعاب الأدوار السياسية والاجتماعية (لفاطمة الزهراء) لن يستقيم إلا باستحضار النسق لشخصية هذه السيدة الجليلة.
من هذا المنطلق نرى أن هناك استحضار تام لإيجاد حالة التوزان الاجتماعي والسياسي بما في ذلك الإنسجام العام . وهذا المعنى يأخذنا إلى مسأءلة من يريد إستحداث تغيير داخلي في تقوية الإنفعالات من أجل تغيير النمط الداخلي للمعتقد الديني ، من خلال إستدعاء المكون النفسي القوي الحضور والدلالة في تكوين الهوية الدينية الجديدة في نظرهم لهذه السيدة الجليلة بعيد عن تراثها ، كأن يكون عنوان إحدى سور القرآن الكريم على سبيل المثال وليس الحصر " ليلة القدر" هو عنوان هذه السيدة الجليلة .
هذه النماذج تدخلنا في أزمة التأويل من خلال نقل الدلالات لتغييرالمعتقد، وهذا يوضح لنا حجم الصعوبات التي يواجهها هؤلاء لإبراز الهوية الحقيقية لشخصية (فاطمة الزهراء) والتوتر الثقافي والعاطفي والنفسي الذي يعيشونه ، بحيث نجد أنهم نقلوا شخصية (فاطمة) التي اتصفت بصفات الروح والنفس لتصل إلى مرتبة سيدة نساء العالمين ، وفاقت في الأخلاق والسياسة جميع الناس ، وهذا بسبب الإمتيازات التي حظيت بها (فاطمة) فقد فرضت طاعتها على من هم دونها ، فاتصفت بالقداسة وأصبحت هذه القدسية جزء من هويتها الشخصية ،
نقلوا هذه الصفات العالية في معانيها واستبدلوا مكانها البركة وشد الإنفعالات العاطفية، لأنها هبة ربانية ، هذه النقلة أين أوصلتنا ؟ هل إلى تجديد في المعارف الدينية بحيث أصبح تراث (فاطمة) رافدا مؤسسا لهذه المعارف ؟ الجواب كلا ، بل وصلنا إلى جمود الذاكرة اجتماعيا وثقافيا لا يتساير مع حجم التراث الفاطمي المنقول الينا، والحال أن شخصية (فاطمة) كانت إيجابية لم تخلو من التجارب التي تدل على الروح التوجيهي في سبيل تحرر الإنسان من قيود العبودية لغير الله .
فالحياة عندها هي غاية التحرر والدفاع عن الحق الطبيعي للإنسان في العيش الكريم وهذا ليس أمرا عرضيا ولا ترفا ، بل هو من ضروريات الإنخراط في معترك الحياة وعلى جميع المستويات من أجل السعادة الدنيوية والأخروية .