الإسلام في مواجهة خطاب الكراهية في الهند


 لم يكن مستغربا صدور تصريحات مسيئة للإسلام والقرآن و لرسول الاسلام (ص) من قبل بعض من النواب الهنود في الهند ،  فإن تاريخ الهند منذ استقلالها عام 1947م  قام على دعامتين أساسيتين الأولى الديموقراطية والثانية العلمانية ويفتخر القادة السياسيين في الهند بأن بلدهم  يعد أكبر الديموقراطيات في العالم وكون الهند أكبر بلد في التنوع الديني كان كافيا لإيجاد أرضية لنشر خطاب الكراهية والصدامات الطائفية بين الهندوسية والإسلام الذي يعتبر ثاني أكبر ديانة في الهند .

فمنذ الانفصال الذي حدث في شبه القارة الهندية  وهي اللحظة الفارقة في العلاقة بين الهندوس والمسلمين حيث قسمت شبه القارة الهندية إلى قسمين باكستان والهند حدثت  بعدها هجرة جماعية للمسلمين إلى باكستان، وأخرى للهندوس إلى الهند؛ مما أدى إلى اقتلاع مجتمعات بأكملها من جذورها، واندلاع عنف طائفي لم تشهد شبه القارة الهندية له مثيلاً من قبل، وكان من نتائجه "سقوط أكثر من مليون مسلم على يد الأصوليين الهندوس " (1) 

وهذا الخلاف لم  يبدأ مع لحظة التقسيم وإنما يعود بعد الاطاحة بآخر حاكم مسلم في دلهي  (بهادر شاه)على يد الاستعمار البريطاني للهند إثر حرب الاستقلال عام 1857 التي حارب فيها المسلمون والهندوس جنبًا إلى جنب ضد الاستعمار؛ سعت بريطانيا  لبثّ الشقاق بين الجماعتين، وتبني سياسات تهدف إلى تهميش دورالمسلمين وترقية المجتمع الهندوسي ضمن "سياسة تقريب العناصرالهندوكية إليها لتستعين بهم في القضاءعلى الخطر الذي يتهدد بريطانيا في بلاد الهند" (2) ومنذ ذلك الحين أقصي المسلمون من الوظائف الحكومية ، وضيق عليهم للقبول في الجامعات ، والغريب في الأمر أن بريطانيا وقفت إلى جانب المسلمين عندما طالب الهندوس استقلال الهند من الهيمنة البريطانية  وهذه الوقفة لم تكن لسواد عيون المسلمين بل من أجل تفتيت المجتمع الهندي وتحويله إلى ساحة صراع طائفي بين الهندوس والمسلمين. وشهد المجتمع انقساما سياسيا استولى حزب المؤتمر على المشهد السياسي أدى ذلك إلى تدهور حالة المسلمين اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ، حتى استولى حزب بهارتيا جناتا بقيادة لال كريشنا أدفانتي الذي عبء الهندوس ليسيروا على خط التطهير العرقي والعنف الطائفي الذي انتهى بهدم مسجد بابري .

 وهو إشارة إلى مفهوم العلمانية الذي تبنته الحكومة الهندية  أنها لن تقصي أي دين  بل لا بد أن يمارس كل دين شعائره،  فسمحت للدولة التدخل في الشؤون الدينية فانبثقت منها عقيدة  " هندوتفا" المناهضة للمسلمين  التي يساهم ناريندرا مودي رئيس حكومة الهند في ازدياد سطوتها  ولا يكتفي هؤلاء القوميون الهندوس بتعبئة الهندوس  بخطاب الكراهية ضد المسلمين  داخل الهند بل  يعمل المجلس الهندوسي بتعبئة الشتات الهندوسي خارج الهند أيضا . 

ويعد ناريندار مودي أحد الأوفياء المتشبعين بعقيدة الـ"هندوتفا"،  التي انتمى إليها منذ سن الثامنة من عمره وتدرَّج ليصبح أحد قاداتها  قبل أن يدخل الحياة السياسية.بل وشارك في عدد من أنشطتهاعلى رأسها أحداث هدم مسجد بابري سنة 1992 م ،  وتشيرالتقاريرالاستقصائية إلى جرائم  خطاب الكراهية في الهند ضد المسلمين  ومكافئة السلطات الهندية المتورطين في خطاب الكراهية  وعدم ملاحقتهم بأي نوع من العقوبة  مع أن كتبهم صرحت على نقاوة وطهارة خطاب الإاسلام لمحمدي الأصيل  وخلوه من الكراهية ضد الإنسانية جمعاء  حيث جاء في كتاب (السامافيدا)، أحد الكُتب المقدَّسَة لدى البراهمة، النصَّ التالي: "أحمد تلقَّى الشريعة من ربِّه، وهي مملوءة بالحكمة، وقد قُبست من النور كما يقبس من الشمس " وفي كتاب هندوسي آخر هو (بفوشيا برانم) جاء فيه  “ في ذلك الحين يُبعث أجنبي مع أصحابه باسم محامد الملقب بأستاذ العالم والملك يطهره  بالخمس المطهِّرة " (4) .

إذن لم تكن التصريحات المسيئة  للإسلام ولرسوله (ص) وليدة لحظة عابرة أو سحابة صيف مرت على العلاقة بين الهندوسية والإسلام وكما رأينا هو امتداد لصراع طائفي طويل وإن كانت أحداثه الحالية صاحبها كثير من المتغيرات الدولية ساعدت على بروزه على السطح .

 المصادر 
  (1) خليل حسن: «منشأة الحركات الأصولية وتداعياتها»، دراسة مقدمة إلى المؤتمر الإقليمي الأول بعنوان: القضايا الإقليمية الناشئة: التحدّيات والرؤى المستقبلية، مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني، بيروت، 29 مارس/آذار-1 إبريل/نيسان 2011
(2) أحمد محمد الساداتي، تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية وحضارتهم (القاهرة: دار نهضة الشرق، 2001)، ص 386
(3) السامافيدا الجزء الثاني من الفقرة 6-8.
(4) بفوشيا برانم ، الجزء 2 الفصل 3 العبارة الثالثة وما بعده


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير