يقول أنيشتاين (الزمان و المكان متداخلان و ينبغي معاملة الزمن كبعد رابع و ليس منفصلا عن المكان) أنا لست في معرض الحديث عن علم الفيزياء ، و لكن نستدل بمبدأ النسبية في دراسة الوضع الاجتماعي و الأمني قبل معركة كربلاء مع الباطل .
فإذا استطعنا فهم تلك الأوضاع فإننا بذلك نستطيع فهم الأدوار الحقيقية لأنصار (الحسين بن علي)، و بالتالي فهم النصوص التاريخية الواردة فيهم . لنعود إلى النصوص التي ذكرتها في الحلقة الماضية حيث وصف الإمامين (الحسين بن علي) و (جعفر بن محمد الصادق) (زهير بن القين) بمؤمن أل فرعون .
ماذا وجد ( الحسين بن علي) في (زهير بن القين) من صفات بحيث وصفه (بمؤمن آل فرعون) ؟ ، لابد أنه وجد فيه صفات تتطابق مع صفات مؤمن آل فرعون الأول المذكور في القرآن الكريم. دعونا نتعرف على حقيقة مؤمن آل فرعون في كتاب الله عز و جل أولا ثم نتعرف على صفات مؤمن أل فرعون الثاني (زهير بن القين) . ركزوا معي رجاء
جاء في سورة غافر آية 28 ( و قال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه) السؤال : ماذا تمثل كلمة (آل) في الآية ؟ الجواب : كلمة " آل " تمثل بحد ذاتها نقطة محورية بني عليها الحكم و الدولة و المجتمع الفرعوني ، و لكي تظل هذه الدولة باقية و لها روافد تغذيها و تمدها بأسباب الوجود و تضمن بقائها ، لهذا عد كل من ينحدر من النسل الفرعوني و تجري في عروقه دماء الفراعنه بأنهم (آل فرعون) .
فإذا كانت تلك السمات هي المميزة (لآل فرعون) فإن الرجل الذي وصفه القرآن بمؤمن آل فرعون لا يخلوا كونه أحد أعمدة الأسرة الفرعونية ، و قد ذهب البلاذري أنه كان يشغل منصب ولي العهد أو صاحب الشرطة ، و هو ابن عم الفرعون و اسمه (حزقيل بن صبورا) كما جاء في موسوعة ويكيبيديا.
و في بعض النصوص التوراتية هو حفيد (أست نفرت " آسيا بنت مزاحم ") زوجة فرعون ، و اسم فرعون في التلمود (مرن بتاح), و كان ظهور دعوة كليم الله( موسى) في عهده.
حيث تدخل (حزقيل أو سامون) حسبما سماه التلمود أو (مؤمن آل فرعون) عندما بان انكسار فرعون أمام القوة التي يمتلكها نبي الله (موسى) في مواجهة السحرة و بيان ضعف فرعون ، حينها لم يرى فرعون حيلة في إضعاف دعوة نبي الله (موسى) سوى قتله خاصة رأى ميل الشعب الإسرائيلي له .
آمن (حزقيل أو سامون) بدعوة نبي الله (موسى) و كتم إيمانه ، و من أجل بقاء نبي الله (موسى) حيا كان لابد من التحرك السريع ، فقام بفتح باب الحوار داخل المجلس و بحضور قادة الدولة الفرعونية ، و خاطب فرعون مباشرة و لم يوجه كلامه للقادة قائلا : ( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) (غافر آية 41))
أصر فرعون على قتل (نبي الله موسى) (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) (غافر آية 29 )، توجه (حزقيل) مسرعا إلى (نبي الله موسى) و أخبره بنية فرعون و طلب منه الخروج من المدينة فورا بعد أن وفر له الحماية الكافية في الخروج لأن فرعون قد وزع جنده في أرجاء المدينة و صدرت الأوامر بالقبض على نبي الله (موسى).
هذه قصة (حزقيل) مؤمن آل فرعون المختصرة ، ياترى هل تنطبق على (زهير بن القين) أم لا ؟ الجواب : نعم تنطبق وفق الدلالات الآتية :-
أولا : بنو أمية لم يعرفوا حقيقة (زهير بن القين) إلا بعد أن شاهدوه مع (الحسين بن علي) في كربلاء و الدليل قال له (عزرة بن قيس) ( لم تكن من شيعة أهل هذا البيت بل كنت عثمانيا) و هذا دليل أنه كتم سره عنهم .
ثانيا : خطبته يوم عاشوراء (يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب النار ... إن الله ابتلانا و إياكم بذرية نبيه محمد(ص) لينظر ما نحن و أنتم عاملون) موافق مع قول مؤمن آل فرعون الأول ، (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله و قد جاءكم بالبينات)
ثالثا : وفر له الحماية العسكرية في الخروج من مكة حتى وصوله إلى أرض كربلاء (سأتحدث عنها في الحلقة القادمة)
نكمل بحثنا في الحلقة (11) إن شاء الله تعالى .. إلى اللقاء