حقائق مغيبة من عاشوراء (6) مفردة العطش(2)


انتهينا من سرد ما نقلته المصادر التاريخية حول مفردة العطش ، نكمل بحثنا مستعينين بالله عز و جل .

تبين من المصادر التاريخية أن (الحسين بن علي) لم يواجه أزمة المياه في المخيم البتة منذ خروجه من مكه إلى لحظة خروجه لملاقاة العدو يوم عاشوراء . فقد كان يملك من المخزون المائي ما كان كافيا لسقاية جيشه وأهل بيته ، و عندما بان النقص في المخزون المائي عنده في المخيم ، أرسل فرق مقاتلة لجلب الماء من شط الفرات الذي كان محاصرا و ممنوعا عليه الاستفادة منه ، الأمر الذي حمل هذه الفرقة الدخول أكثر من مرة في صدام عسكري مع جيش العدو.

و هذا دليل أن معارك متفرقة وقعت في كربلاء قبل يوم عاشوراء ، و هو منطقي جدا حيث إن العدو كان مجهزا لشن الحملات العسكرية على معسكر (الحسين بن علي) لحظة وصوله أرض المعركة. يقول صاحب كتاب (بطل العلقمي) أن (عمر بن سعد) (حاول مرارا الغدر (بالحسين بن علي) بفرقة الخيل الكداسة) مما يدل أن العدو استخدم كل السبل لإضعاف خصمه .

من هنا نقول وبكل ثقة ، لا يمكن تصديق إمكانية أن يخوض (الحسين بن علي) معركة الدفاع عن الرسالة السماوية و يضع مصير جيشه و أهل بيته رهين سلاح هش يتلاعب به أعدائه إلى يوم القيامة ، و قد وجدنا تاريخيا أن العدو لم يستطع استخدام سلاح الماء كأحد أسباب في الهزيمة العسكرية و لم يستطع أن يخدش في قيادة (الحسين بن علي) لا فعلا ولا قولا أن كيف تؤمنون بإمام و بقائد لا دراية له بالخطط العسكرية و كيفية إدارة الأزمات .

ولكن نجد بعض الجهلة بالتاريخ الإسلامي يروجون الانحرافات التاريخية التي سنذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر .

أولا : حادثة طلب (الحسين بن علي) الماء لابنه (عبدالله الرضيع) يقول (أبي مخنف و الطبري) أنه جاء بالرضيع و وقف أمام القوم و طلب منهم أن يسقوه شربة ماء، فرماه اللعين حرملة بسهم ذبحه من الوريد إلى الوريد ،

و لكن الحقيقة التاريخية التي تطابق شعار هيهات منا الذلة هو ما ذكره صاحب كتاب ( اللهوف ص 65 و اليعقوبي في تاريخه ج2 ص 218) أنه أوتي إليه برضيع وليد الساعة عند خيمته فأذن في أذنيه ، و إذ أتاه سهم حرملة وقع في حلقه فذبحه و خضب (الحسين بن علي) وجه الرضيع بدمه ، و في رواية رمى بدمه نحو السماء قائلا (و الله لأنت أكرم على الله من فصيل الناقة ، و لمحمد أكرم على الله من صالح) ، ولم تسقط قطرة منه إلى الأرض ، و دفنه خلف مخيم النساء .

ثانيا : اﻻنحراف في سيرة (علي الأكبر). الحقيقة التاريخية أن (علي الأكبر) برز إلى الميدان مع عمه (العباس) و جملة من الأنصار يوم عاشوراء لفك الحصار عن المشرعة لجلب الماء بعد صلاة الظهر، يقول (أبو مخنف) إن معركة فك الحصار ﻻ توازيها أية معركة ﻻ معركة صفين و ﻻ معركة الجمل و ﻻ غزوة الخندق و فيها استشهد (علي الأكبر)

و إذا بالمشهد ينحرف أنه جاء يطلب شربة ماء من أبيه (الحسين) فوجد لسانه كالخشبة اليابسة فرجع إلى الميدان لوحده و ضرب على هامته و سالت الدماء على عيني الفرس ، و الفرس أخذه إلى الأعداء فقطعوه إربا إربا ، و الغريب في هذا الانحراف دعاء (الحسين بن علي) على (عمر بن سعد) أن يسلط الله عليه من يذبحه على فراشه ، و إذا (بعمر بن سعد) يقتل في قتال مع (عبدالله ابن كامل) قائد شرطة المختار الثقفي في الكوفة .

أنا أعرف أن التاريخ الجماهيري ينحرف بشكل ملحوظ عن التاريخ الحقيقي ويتخذ من الخيال قاعدة انطلاقه ، و هو ما وجدناه في مفردة العطش والغريب أن النصوص الروائية التي تتحدث أن (الحسين) شعر بالعطش الشديد وهو في ساحة المعركة فقط وليس وهو في المخيم ، تم تعميم هذه الحالة على أصحابه وأهل بيته ،

وإذا قلت رجع (الحسين) من ساحة المعركة إلى المخيم لتوديع عياله ، ما هو التكليف الشرعي و الماء موجود في المخيم يشرب الماء أو لا يشرب ؟ وقس هذا التكليف على (علي الأكبر) عندما رجع إلى المخيم وطلب شربة ماء من أبيه لذا أعيد طلبي مرة أخرى إذا كان عند أحدكم نص رواية واحدة ان أصحاب (الحسين) استشهدوا عطشا فليتفضل بها علينا.

هذا الانحراف في الخطاب التاريخي أراد تحسين و تغيير صورته الغزلية فتغير الجهل إلى الغباء ، و طبقا لقواعد اللغة لا يمكن أن تتحمل الإنسانية طويلا أخطاء فهم الأحداث و لا تقوم بتصحيحها. لذا أقول إن جهودي وجهود من لا يقبل بهذه الخطابات الهلامية التي وصلت حد التخريف ضرورية لكشفها . وكشفنا الحقائق التاريخية التي غيبها الإئتلاف الروزخوني التقليدي و الأقلام البالية .

أنا لا أنكر أن الظلم وقع على كل من شهد واقعة كربلاء مع (الحسين بن علي) سواء النساء أو الأطفال أو المرضى أو الشهداء أو الموالي(الخدم) ، و لكن هذا لا يعطينا الحق في مصادرة الحقيقة ، فكما للمعرفة قواعدها و نهجها ، كذلك للحقيقة استراتيجيتها .

نكمل بحثنا في الحلقة (7) إن شاء الله تعالى .. إلى اللقاء.


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الجمعة 2025/1/10 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير