نكمل بحثنا في الإجابة عن السؤال الذي توقفنا عنده في الجزء الأول ما نوعية العلاقة بين بريطانيا والبيت الشيرازي ؟
في 12-6-2007 استضافت قناة الجزيرة الفضائية رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في برنامج " بريطانيا والغرب وحوار مع الإسلام " ووجهت له هذا السؤال " أنتم تشاركون في ندوة حول الحوار بين الأديان بحضرة عدد من علماء المسلمين بغرض استشارتهم ماذا تريدون أن تسمعوا منهم ؟ "
أجاب توني بلير:" فيما يخص علاقة الإسلام بالعالم الخارجي هو أن الناس يستمعون الأصوات المتشددة وأردت أن أؤمّن منبرا للأصوات الحقيقية للإسلام حتى يسمعهم الناس ويتكلموا عن الإسلام الحقيقي المعتدل والعقلاني والذي لا يدعو للعنف والذي يرغب في إحلال السلام والإنسجام في العالم مما بدا ما يظهر على شاشات التلفزة الغربية من الأصوات الأكثر تشددا والتي تدعو إلى الكراهية والانقسام "
ما يهمني من هذا الجواب هي عبارة " الإسلام المعتدل" ما هي منهجية الإسلام المعتدل في نظر توني بلير والتي يريد تأمين منبرا لها ؟ علما أن هذا الوصف "الإسلام المعتدل " جديد و غربي المنشأ ،
وقد صرح رئيس وزراء تركيا السيد أردوغان في كلمة له في حفل ختام دورة تدريبية للنساء، نظمتها وزارة الأسرة والسياسات الإجتماعية، بالتعاون مع منظمة العالم الإسلامي في 24-10-2017 قائلا :-
"لا يوجد شيء اسمه إسلام معتدل أو غير معتدل، الإسلام واحد، لا يجب أن يحاول أحد أن يضع الإسلام في موقف ضعف عن طريق تنويع الإسلام أو إلصاق بعض الأوصاف به"
ما هو الإسلام المعتدل ؟ الإسلام المعتدل هو التحول من الداخل بثقافة جديدة وهو ما استند عليه الغرب في نشأة النظام الرأسمالي الذي نادى به ماكس ويبر أحد منظري الغرب في علم الاجتماع في كتابه "الاقتصاد والمجتمع " ، وهذا التحول لا يمكن أن يكون بدون رأسمال بمعنى أن العنصر الاقتصادي أحد مقاييس الإسلام المعتدل يليها ربط التحولات الاقتصادية بتغيير في الثقافة العامة والتشريع هذا هو الإسلام المعتدل الذي يريده توني بلير .وإذا كانت الرؤية البريطانية تتماشى مع رؤية ماكس فيبر القائلة " إن الوعي يشكل الاقتصاد ونمط الإنتاج "، فإن رؤية توني بلير ستكون الوعي الجديد الذي يشكل نمطاً إنتاجياً جديداً ، ومعه اقتصاد جديد، وثقافة جديدة منفتحة أساسها ما سماه بلير الإسلام المعتدل .
بهذه المنهجية كانت الرؤية البريطانية دعم الفكر المتطرف المتأسلم السني والتي كانت نتيجته ظهور تنظيم داعش ، و كذلك دعم المرجعية الشيعية الشيرازية كمنبر لها في نشر التشيع ، وإحلال المرجع السيد صادق الحسيني الشيرازي محل المرحوم المرجع آية الله الكاشاني والذي كان نتيجته ظهور التشيع اللندني المتطرف
استند هذا الدعم على تمكين التشيع اللندني من أسباب القوة الاقتصادية لتغيير الثقافة الشيعية من الداخل وإيجاد منابرللخطباء المتأسلمين منهم و مركزا ثقافيا جديدا لهم في لندن لمواجهة الفكرالإسلامي المحمدي الأصيل ،
وافقت مرجعية التشيع اللندني الدعم البريطاني بحيث يخدم أجندات الطرفين والذي انحصر في نقطتين :-
الأولى المضي في المشاريع التنموية داخل العراق من خلال ابتداع مناسبات دينية مهمة وتحويلها إلى مشاريع اقتصادية ذات صبغة مذهبية ،
حيث ابتدعت مسمى أسبوع البراءة والذي يعني براءة من رموز المسلمين الممعارضين لنظرية خلافة اﻹمام علي بعد رسول الله .ص. بدل من إحياء إسبوع الوحدة اﻹسلامية الذي دعى إليه الخميني ، ابتدعت يوم نصرة العسكريين والذي تنظم فيه زيارة إلى المرقد الشريف للعسكريين في سامراء بدل من الخروج لإحياء يوم القدس العالمي الذي دعى إلية الخميني ، وابتدعت عشر الفاطميات والتي ينال فيها من رموز المسلمين في قضية فاطمة الزهراء بدل من إحياء عشر الفجر ذكرى قدوم الخميني إلى إيران و انتصار الثورة الإسلامية .
والثانية بناء القاعدة الإعلامية وهي مكلفة جدا لا يمكن تشيدها من خلال قاعدتها الاجتماعية الضعيفة ،
وعلى الرغم من كل هذا فإن الفائدة الأساسية لبريطانيا في إلغاء مناسبات دعى إليها الخميني والدعم الإعلامي المطلوب هو فرض الشريعة الإسلامية بمنظور شيرازي متطرف منحرف و الذي سيخدم ثقافة الإسلام المعتدل بنسخته البريطانية .
فأنشئت أول قناة فضائية شيرازية عام 2004م تحت مسمى الأنوار -1 بتمويل من تاجر شيعي كويتي ما فتأت تنكئ الجراحات مروجة لبضاعتها برجال دين متخلفين وانتهازيين ثم توالت قنوات فضائية تظهر تباعا وصل عددها أكثر من 10 قناة فضائية ، كلها تبث من قمر آموس الإسرائيلي .
في 2-5-2016 م صدر تقرير نقله الموقع الرسمي لقناة "روسيا اليوم" على الإنترنت عن موقع "سات أج" المتخصص في رصد حركة الأقمار الصناعية حول العالم وما تحمله من قنوات تلفزيونية وجود 6 قنوات "دينية" توجه من قلب إسرائيل إلى العالم العربي بهدف نشر التشيع وهي "آل البيت، الأنوار-1، فدك، الحسين، الغدير ، حيث تبث جميعاً من القمر الإسرائيلي "أموس"، عبر شركة "أر.أر.سات " وأضيفت فيما بعد قنوات آخرى كالمرجعية ، الزهراء ، صوت العترة ، الحسن ، المهدي ، الشعائر ضمن قائمة القنوات التي تبث من القمر الصناعي الإسرائيلي ..
وكان هذا مدعاة للرد الجميل على خدمات إسرائيل لهم، ومن جملة الخدمات التي قدمتها مرجعية التشيع اللندني نورد بعضها على سبيل المثال وليس الحصر
1. نظمت معرضا لمحرقة هولوكوست في حسينية الرسول الأعظم –ص و بتعاون مع مكتب الصداقة الإسرائيلي (فورم فيث ) في لندن بتاريخ 7-1-2019 ،
وهذه الحسينية هي ضمن مركز ثقافي شيد لها مؤخرا ضمن برنامج توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق في إيجاد مركز ثقافي داخل بريطانيا للفئات المتطرفة .
2. تعين الشيخ ياسر الحبيب وكيلا شرعيا وممثلا لها في لندن الذي إنشاء بدوره فرقة خدام الإمام المهدي الذراع العسكري لها .
3. بتاريخ 6-5-2018 م هاجم السيد حسين الشيرازي نجل المرجع صادق الشيرازي الإمام الخامنئي ونعته " بفرعون العصر " أعتقل على خلفيته ويعتبر هذا أول صدام علني للتشيع اللندني ضد حكومة إيران ،
4. في 10-5-2018م اقتحمت الفرقة العسكرية لخدام الإمام المهدي السفارة الإيرانية في لندن وكان هذا ثاني عمل إرهابي يقوم به التشيع اللندني ضد الحكومة الإسلامية في إيران .
5. نشر خطاب الكراهية يتزعمه الشيخ ياسر الحبيب في لندن وبعض الخطباء المتأسلمين في فلك الشيرازي من إثارة الفتن وسب رموز المسلمين وأمهات المؤمنين وفقهاء الشيعة وعلمائها وقادتها السياسيين .
من هنا يتبين لنا أن التحالف القائم بين بريطانيا والتشيع اللندني ظاهره إحياء تراث أهل البيت ، وباطنه سياسي عسكري ، والهدف من كل هذا هو تقوية القاعدة الجماهيرية المتخلفة حولها و تهيئته الظروف الميدانية لطرح المرجعية الشيرازية كإسلام بريطاني شيعي معتدل و آيضا كلاعب سياسي في المشهد الشيعي يسحب بساط انتصارات الميدانية لإيران وحلفائها على الباطل في المنطقة .
مثلا جاء على لسان المرجع الديني السيد تقي المدرسي وهو ابن اخت المرجع السيد صادق الشيرازي أن انتصار حزب الله على إسرائيل في حرب تموز عام 2006 م كان بسبب شعيرة التطبير .
كل ذلك تمهيدا لزعزعة الهوية الشيعية وإستغلال البسطاء لآجندات سياسية ، وإثارة القلاقل في العالم اﻹسلامي متى ما اقتضت المصلحة الوطنية البريطانية ذلك.
وجدير بالذكر أن هذه الفئة استندت حساباتها على تعظيم الأمور من أجل نفوذ قصير بأباطرته المتأسلمه الضعيفة لتمرير هذه الأجندات لإذكاء التوترات في المجتمعات والإنقاسامات الطائفية فيها ،
وعليه دعا الخامنئي أن التشيع اللندني فكر منحرف ، و إعلان فقهاء الشيعة والقادة السياسيين البراءة منه ، وأن القنوات الفضائية التابعة له لا تمثل التشيع ولا فكر الإسلام المحمدي الأصيل،
فكانت الضربة الأولى قاصمة للظهر غلق مكاتبهم في ايران ،
لتأتي الضربة الثانية أكثر إيلاما حين لبت الجماهير المسلمة في العالم النداء لمواجهة التشيع اللندني فكانت الخسائر فادحة من حيث دعم الاستثمارات التنموية ،والتواجد الخطبائي ، والمشاركة الشعائرية أفقدت مرجعية التشيع اللندني توازنه في البقاء في أغلب دول العالم وهلم جرى .
فلا يظنن أحدكم أن الخلاف مع هذه الفئة هو على بعض الممارسات الطقوسية بسبب اختلاف فتاوى بين فقهاء الشيعة وهي لا تزيد في نظر البعض عن كونها زوبعة في فنجان
لا أبدا بل هي أكبر وأخطر من ذلك بكثير كما رأينا ، فإن الكأس قد فاض وسقط وأنكسر،
وأصبحت الإمبراطورية البريطانية الشيعية (التشيع اللندني) الآن أمام فوهة مدفع الولي الفقيه