التراث الذي وصل إلينا عن السيدة الجليلة (فاطمة بنت محمد) نبي الله تختزن فيه جوانب معرفية متعددة [علمية ، ثقافية ، أدبية ، دينية ، اجتماعية وسياسية] هذا الرصيد العلمي هو لمخاطبة العقل بالبرهان ، والإبتعاد عن التعصب والهوى ، تراث يخاطب الأجيال في كل عصر بما تستسيغه فطرته ويقبله عقله.
الأقلام والمنابر التي تناولت إستنطاق هذا التراث من المسلمين وغيرهم ، كانت في جانب العنعنة في السرد التاريخي ، حرف الجر" عن " حجب عن الناس اللوحات الجميلة عن المرأة التي أصبحت عقدة المجتمع وخطورة هذه العقدة أنها تعاني من إتهامات خطيرة كانت سببا في تعطيل دورها في بناء الحضارة الإنسانية ، كان الرجل يدوس عليها ويدفنها في التراب ، تاريخ سلب المرأة حقوقها تحت أثواب مختلفة.
ولدت فاطمة في هذه البيئة لتكسرهذه العقدة وتخرج لتواجه الرجال في عباءة أمها خديجة (ع) ، خرجت من بيتها إلى المسجد النبوي، والمسافة قصيرة بين البيت الفاطمي والمسجد النبوي لتعطي لنا دلالة واضحة أن الطريق إلى فهم رسالة محمد (ص) يمر عبر طريق فاطمة فهو أقصر الطرق وأسهلها، لكن السياسة وأصحاب العمائم جعلوا هذا الطريق طويلا كي لا يصل الناس إلى المسجد النبوي عبر الطريق الذي سلكته فاطمة لأنهم ما زالوا لم يفهموا قولها
" يأيها الناس إعلموا أني فاطمة " .
إن الشوط الذي قطعته فاطمة في المسيرإلى المسجد النبوي من يوم السقيفة وإلى الآن كان للدفاع عن الحق ، وما زال التاريخ يسجل وقع خطاها وهي تخوض معركة عميقة الأسباب بعيدة النظر في أهدافها ، كشفت عن قوة عزيمتها كإمرأة ، حيث لم تدع الألم لفقددان أبيها يؤخرها عن متابعة الصراع حتى إنعقد اللواء لصاحب الحق الأصيل في بيعة عامة شبية ببيعة يوم (غدير خم) والقوم ما زالوا لم يفهموا قول فاطمة
" أيها الناس إعلموا أني فاطمة " .
وساحة الإسلام لا تجد لنهج فاطمة من قائد ، إن السبب الذي جعل فاطمة تخرج من بيتها إلى المسجد النبوي أنها وجدت نوعين من المناصرين ، نوع مقتنع أن الحق يجب أن يكون لصاحب الحق والنوع الثاني المستسلمين للدنيا ، الذين يرون مصالحهم الذاتية فوق كل الإعتبارات وهم الأخطر، لأنهم يتربصون خطوات صاحب الحق حتى يخذلوه يوم الوثبة ويكون طعما للعدو، وما زال الإسلام يمشي مع هذين النوعين من الناس ، والقوم ما زالوا لم يفهمو قول فاطمة
" أيها الناس إعلموا أني فاطمة " .
الإسلام يستمر في ساحته وفاطمة واقفة في الميدان وهي ترى ما يحدث من مفرق الكوفة ومفرق الشام و مصر إلى أصوات المنجيق في اليمن ، ومن الأندلس إلى الكنائس في إيطاليا ، ومن شوارع ميانمار والدماء قد غيرت لون نهر السند إلى الإنقباض في الهند ، ومن النار المستعرة في شوارع بغداد إلى الدخان يخرج من النسور في سمرقند ،
ومن الوادي اليابس والصوت ينادي أحرقوا بيوت الظالمين إلى فساد اليهود في الأرض ، أما الجزيرة التي انطلقت منها رسالة السماء فإنها تشعبت إلى خطوط كثيرة لتعود وتغرق في الضباب ويتحول العز إلى الذل. فأصبح الناس " مُذْقَةَ الشّارِبِ ، وَنُهْزَةَ الطّامِعِ ، وَقُبْسَةَ الْعَجْلانِ ، وَمَوْطِئَ الأقْدامِ ، أذِلَّةً خاسِئِينَ ، يخافون أن يتخطفهم الناس من كل جانب " .
في هذه الضجة التي زعق غبارها ، لم ترفع فاطمة خمارها ليتدخل الملاك جبرئيل ليقلب ميزان القوة لصالحها ، لا أبدا لأنها تعتبر هذا الفعل إنتهاك لقدسية منزلتها عند الله ، بل ستواصل المسير إلى المسجد النبوي حتى توصل اللواء إلى صاحب الحق الأصيل (للموعود المنتظر) وفي بيعة عامة ، ليحيا محمد (ص) أباها من جديد ويهدم أركان الشيطان ، فلا مباهلة اليوم فهي عديلة مريم العذراء ، إنه يوم الفتح المبين ، وستبقى هالة الفتح المبين من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق تلازم صوت فاطمة وهو يرن أسماع العالمين " لقد أنقذكم الله بأبي محمد بعد اللتيا واللتي" .