قَالَتْ عَالِمَةَ أَنْثُرُوبُولُوجْيَا اَلْأَمْرِيكِيَّةِ وَالْمُنَاصَرَةِ لِحُقُوقِ اَلْمَرْأَةِ ( مَارْجِرِيتْ مِيدْ ) " لَا تَشَكَّكُوا أَبَدًا بِقُدْرَةِ مَجْمُوعَةٍ صَغِيرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ اَلْفِكْرِ عَلَى تَغْيِيرِ اَلْعَالَمِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَا كَانَ يَحْدُثُ دَائِمًا " .
اَلتَّغْيِيرُ : هُوَ إِنْجَازُ بَعْضِ اَلْعَمَلِيَّاتِ يَقُومُ بِهَا اَلْإِنْسَانُ لِلْوُصُولِ إِلَى اَلنَّتَائِجِ اَلْجَيِّدَةِ عَلَى جَمِيعِ اَلْأَصْعِدَةِ ، وَلَا يَحْدُثُ اَلتَّغْيِيرُ بِشَكْلٍ طَبِيعِيٍّ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تُصَاحِبَهُ دَعَوَاتٌ حَثِيثَةٌ تَتَضَافَرُ فِيهَا عِدَّةُ عَوَامِلَ دِينِيَّةٍ وَثَقَافِيَّةٍ وَغَيْرُهَا . وَالتَّغْيِيرُ هُوَ بِدَايَةٌ لِلتَّجْدِيدِ ، لِأَنَّنَا نَعْرِفُ أَنَّ اَلْفِكْرَ هُوَ مَدْخَلٌ لِلتَّغْيِيرِ وَالْإِصْلَاحِ عِنْدَ اَلْإِنْسَانِ ، بَيْنَمَا اَلتَّجْدِيدُ هُوَ نَفْضٌ لِلْغُبَارِ عَمَّا لَحِقَ بِالْمَفَاهِيمِ وَالتَّصَوُّرَاتِ مِنْ شَوَائِبَ أَثَّرَتْ عَلَى أَقْوَالِنَا وَسُلُوكُنَا وَأَفْعَالُنَا وَكَانَ لَهَا أَثَرٌ سَلْبِيٌّ .
وَأَعْتَقِدُ أَنَّنِي هُنَا سَأُوَاجِهُ اَلْأَصْوَاتَ اَلَّتِي قَدْ تَرْتَفِعُ بِالْقَوْلِ هَلْ اَلدِّينُ بِحَاجَةِ إِلَى اَلتَّجْدِيدِ ؟ طَبِيعِي اَلدِّينِ لَيْسَ بِحَاجَةِ إِلَى اَلتَّجْدِيدِ ، وَلَكِنَّ فَهْمَ اَلدِّينِ بِحَاجَةِ إِلَى اَلتَّجْدِيدِ لَا اَلدِّينُ نَفْسَهُ ، اَلدِّينُ عِنْدَ اَللَّهِ اَلْإِسْلَامِ أُمًّا عِنْدَكَ هَلْ هُنَاكَ دِينٌ وَاحِدٌ أَمْ أَدْيَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ ؟ لِلتَّوْضِيحِ أَكْثَر ، حُجِّيَّةَ عِصْمَةِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَأَوْصِيَاءِ اَلْأَنْبِيَاءِ مِنْ أَيْنَ تَأْخُذُهَا مِنْ كِتَابِ اَللَّهِ أَمْ مِنْ اَلنَّاسِ ؟ اَلْجَوَابُ مِنْ كِتَابِ اَللَّهِ ،
فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ هَلْ هَذِهِ اَلْعِصْمَةِ مَدْخَل إِلَى اَلْخِلَافَةِ اَلسِّيَاسِيَّةِ أُم فَقَطْ لِإِثْبَاتِ اَلْعِصْمَةِ أَمْ لِكِلَيْهِمَا ؟ فَإِنَّ قُلْتَ لِكِلَيْهِمَا فَلِمَاذَا تَرَكَ ( عُبَيْدْ اَللَّهِ بْنْ عَبْدِ اَللَّهْ بْنَ اَلْعَبَّاسْ ) اَلْإِمَامِ اَلْحُسْنِ ( ع ) وَالْتَحَقَ بِرَكْبِ مُعَاوِيَة ؟ هَلْ عَبِيدُ اَللَّهِ بْنْ عَبْدِ اَللَّهْ بْنَ اَلْعَبَّاسْ كَانَ يَعْرِفُ إِمَامَ زَمَانِهِ أَمْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ ؟ سَتَقُولُ طَالَمَا تَرَكَ اَلْإِمَامُ فَهُوَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ عِلْمًا أَنَّهُ اِبْنُ عَمِّهِ ( ع ) فَأَذِنَ هَلْ مَاتَ مِيتَةَ جَاهِلِيَّةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ إِمَامُ زَمَانِهِ ؟
مِنْ هُنَا أَيُّهَا اَلسَّادَةُ نَسْتَطِيعُ اَلْقَوْلُ إِنَّ هُنَاكَ دِينًا ثَابِت وَلَكِنَّ مَفَاهِيمَ اَلدِّينِ تَغَيَّرَتْ بِتَغَيُّرِ اَلْأَزْمِنَةِ ، هُنَا نَقْع فِي إِشْكَالِيَّةٍ وَهُوَ خَلْطُ اَلْفِكْرِ اَلْبَشَرِيِّ بِالنَّصِّ اَلْمُقَدَّسِ وَمَزْجِهِ مَعًا وَيَتِمَّ اَلتَّفْسِيرُ وَالتَّعَامُلُ مَعَهُ بِالتَّوَاتُرِ وَالْوِرَاثَةِ حِفَاظًا عَلَى اَلتُّرَاثِ اَلْمَوْرُوثِ ، فَبَدَلُ أَنْ تَكُونَ اَلْعِصْمَةُ مُقَدَّسَة لِلدِّينِ تَتَحَوَّلُ إِلَى تَقْدِيسِ اَلْأَشْخَاصِ ، وَيَكُون اَلدِّينُ هُوَ رَأْسِمَالُهُمْ فِي اَلْحِفَاظِ عَلَى مَكَانَتِهِمْ بَيْنَ أَتْبَاعِهِمْ .
فَلَا تَتَعَجَّبُ إِذَا سُمِعَ أَحَدُ يَقُولُ وَرَاءَ اَلْمَيكْرُفُونِ مَا لَايقَبَلَهْ كِتَابُ اَللَّهِ وَيَتَحَجَّجُ أَنَّ رَغْبَةَ اَلنَّاسِ هِيَ هَذِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ اَللُّغَةِ هِيَ لُغَةٌ اَلْفَاشِلِينَ إِلَّا أَنَّ اَلْهَدَفَ اَلْمُبَطِّنَ هُوَ لِلْإِبْقَاءِ عَلَى اَلْجَهْلِ جِيل بَعْدَ جِيلٍ . وَهَؤُلَاءِ بَعْد أَنْ ثَبَتَ فَشَلُهُمْ أَصْبَحُوا إِعَاقَةً ذَاتِيَّةً عَلَى اَلْمَشْرُوعِ اَلْإِصْلَاحِيِّ وَالتَّجْدِيدِيِّ اَلَّذِي يُؤَطِّرُهُ حَتْمِيَّةَ اَلْوَاقِعِ.
وَالتَّجْدِيدُ بِحَاجَةِ إِلَى جُهُودٍ ضَخْمَةٍ وَحَرَكَةِ مُسْتَمِرَّةٍ لَاتِتُوقَفْ ، وَهَذَا اَلتَّجْدِيدُ هُوَ اَلَّذِي قَادَ إِلَى زَوَالِ عِبَادَةِ اَلْأَصْنَامِ وَالتَّمَاثِيلِ عِنْدَ اَلْيَهُودِ ، حَيْثُ كَانَتْ تَعَالِيمُ ( أَشْعِيَا ) اَلنَّبِيِّ بَاعِثًا إِلَى هَذَا اَلتَّجْدِيدِ ، وَذَكَرَ اَلدُّكْتُورُ اَلْقَسُّ ( فَهِيمْ عَزِيزٍ ) فِي كِتَابِهِ مَدْخَل إِلَى اَلْعَهْدِ اَلْجَدِيدِ " لَقَدْ كَانَتْ قَدَاسَةٌ يَهْوَهْ عَلَى اَلنَّقِيضِ مِنْ نَجَاسَتِهِ هُوَ وَنَجَاسَةً بُنِيَ إِسْرَائِيلُ اَلَّتِي أَوْقَعَتْ اَلْخِزْيَ وَالْعَارَ وَالْفَزَعَ إِلَى اَلرُّؤْيَا اَلرَّائِعَةِ اَلَّتِي دَعَتْهُ إِلَى خِدْمَةِ اَلنُّبُوَّةِ " .
وَالْقُرْآنُ اَلْكَرِيمُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذَا اَلْمَسَارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ اَلرَّحْمَنِ - 29 " يَسْأَلهُ مَنَّ فِي اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلُّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنِ " ، أَنَا أُؤْمِنُ بِالتَّعَدُّدِيَّةِ اَلْفِكْرِيَّةِ لِأَنَّهَا اَلنُّضْجُ اَلْجَمَاعِيُّ مِثْل اَلْمَدَارِسِ اَلْفِقْهِيَّةِ عِنْدَ اَلشِّيعَةِ كَمَدْرَسَةٍ ( عَلِي اَلسِّيسْتَانِيّ ، عَلِي اَلْخَامِنْئِي ، كَمَالُ اَلْحَيْدَرِيِّ ، اَلشَّيْخُ فَيَّاضْ ، اَلسَّيِّدْ اَلْحَكِيمِ وَغَيْرِهِمْ ) وَهُنَا لَا أُرِيدُ إِسْقَاطُ أَحَدِ أَوْ إِلْغَاءِ اَلتُّرَاثِ أَوْ اَلْأَقْوَالِ أَوْ اَلْفَتْوَى أَوْ اَلرُّؤَى ،
وَإِنَّمَا قَرَأتِي هِيَ أَنَّهُ يَجِبُ إِعَادَةَ قِرَاءَةِ اَلتَّارِيخِ وَالْمَوْرُوثِ اَلتَّارِيخِيِّ وَالدِّينِيِّ مَعًا ، وَعَدَمَ اَلْوُقُوفِ عِنْدَ اَللَّفْظِ اَلْوَاحِدِ . وَنَحْنُ نَعِيشُ فِي عَصْرِ اَلتَّحَوُّلَاتِ وَالتَّطَوُّرَاتِ وَالسَّعْيِ إِلَى اَلتَّجْدِيدِ فِي اَلْفِكْرِ اَلدِّينِيِّ اَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْطِيَ أَثَرُهُ فِي اَلْأُمَّةِ وَ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَجْمُوعَةٌ مِنْ اَلْبَاحِثِينَ فإلسَّفِينَةِ تَتَحَرَّكُ بَيْنَ شَطَّيْنِ اَلْآنِ ،
وَلَوْ غَفَلْنَا عَنْ هَذِهِ اَلْحَقِيقَةِ لزَاغَتْ أَبْصَارَنَا عَنْ مَاضٍ تَرْكنَا وَشَطْحُ بِنَا اَلْخَيَالُ إِلَى مُسْتَقْبَلٍ لَا نَمْلِكُ لَهُ وَسَائِلِهِ وَلَمْ نُعِدْ لَهُ اَلْعُدَّةُ . فَالْأُولَى سَنَكُونُ مِثْل أَقَوَامٍ قَدْ خَلَتْ اَلتُّوتَ أَعْنَاقَهُمْ وَلَوْ نَظَرُوا اَلْآنُ إِلَى اَلْوَرَاءِ لِقَتَلَتِهِمْ اَلْحَسْرَةَ ، أَمَّا اَلثَّانِيَةُ وَالنَّظَرِ إِلَى اَلْمُسْتَقْبَلِ فَسَنَكُونُ كَالطِّفْلِ اَلَّذِي يُصَابُ بِالْكُسَاحِ وَيُرْغِمُهُ أَبَوَاهُ عَلَى اَلْمَشْيِ لِيَسْتَقِيمَ سَاقَاهُ فَلَا يَسْتَطِيعُ .
وَخُلَاصَةُ اَلْقَوْلِ أَنَّ ثَقَافَةَ اَلتَّجْدِيدِ وَالِاسْتِمْرَارِ فِي اَلْبَحْثِ عَمَّا هُوَ جَدِيدٌ يَأْخُذُنَا إِلَى اَلْقَوْلِ إِنَّ اَلْحُكْمَ عَلَى اَلْمُسْتَقْبَلِ بِالْمَاضِي لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي حَالَاتِ اَلثَّبَاتِ ، أَمَّا فِي حَالَاتِ اَلتَّجْدِيدِ وَعَصْرِ اَلتَّطَوُّرِ وَالتَّحَوُّلَاتِ فَإِنَّ اَلْوَاقِعَ يَفْرِضُ نَفْسَهُ .
فَلَنْ يَجِيءَ اَلْمُسْتَقْبَلُ عَلَى صُورَةِ اَلْمَاضِي ، لِذَا لَا يَحِقُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا كَانَ عَلَى اَلَّذِي سَوْفَ يَكُونُ ، فَإِذَا كَانَ اَلِاطِّرَادُ فِي اَلْجَمَاعَاتِ اَلْمُسْتَقِرَّةِ اَلثَّبَاتَ هُوَ اَلْأَصْلُ وَالتَّغْيِيرُ هُوَ اَلشُّذُوذُ ، إِلَّا أَنَّ فِي مَرْحَلَةِ اَلتَّحَوُّلِ وَالتَّطَوُّرِ وَالتَّجْدِيدِ يُصْبِحُ اَلْمُتَوَاصِلُ وَالْمُسْتَمِرُّ هُوَ اَلْأَصْلُ وَالْكَسَلُ وَالثَّبَاتُ اَلْمُطَّرِدُ هُوَ اَلشُّذُوذُ ،
وَهُوَ مَا دَعَتْ إِلَيْهِ اَلشَّرَائِعُ اَلسَّمَاوِيَّةُ وَنُطْقُ بِهِ أَوْصِيَاءُ أَنْبِيَاءِ اَللَّهِ ، يَقُولَ عَلِي بْنْ أَبِي طَالِبْ ( ع ) : " لَا تُكْرِهُوا أَوْلَادُكُمْ عَلَى أَخْلَاقِكُمْ فَإِنَّهُمْ خَلَقُوا لِزَمَانٍ غَيْرِ زَمَانِكُمْ " .