أزمة فرنسا مع الأديان


قال رئيس فرنسا ماكرون (إن العلمانية لم تقتل أحدا) و (أن الإسلام يواجه أزمة في العالم) واقعا عندما نجد زعيم غربي يقف وراء الميكروفون ويتحدث عن الإسلام لا نعرف ما هي هويته هل هي (علمانية ، ليبرالية ، متدين معتدل ، متدين متشدد ، ملحد ، حداثوي ، ديموقراطي) ونراه ينطلق  من الإسلام ولا نعرف هل إنطلاقه من الإسلام الكلي أو الجزئي مع أن الإسلام لا يتجزء.

وبالتالي فإن هناك ممانعة بين الإسلام والعلمانية بشكل عام وهذا واضح بشدة في رفض الإسلام الفصل بين الدين والدولة ، ولكي نبتعد عن خلط المفاهيم بين مفهوم الإستعمار وبين العلمانية وتحديدا العلمانية الفرنسية التي بدأت كحركة فكرية تنادي بفصل سلطة الكنيسة أو رجال الدين عن سلطة الملوك أو الدولة.

فالعلمانية في فرنسا كانت حلا إجرائيا في تحريرالعقول من كل الوصايا والقيود الكنائسية ، و وضع حد لتدخل الكنسية في المجال العلمي بإعتباره مجالا عقليا بعيدآ عن المقدسات والترهات  التي تدافعت فيها الآراء وتعاطف معها البسطاء ،  فتعاملت العلمانية مع الحاضر والواقع بإعمال العقل لا بالنقل ، وإرتباط العقلانية بالعلمانية.

فالأولى تضع بين يدي الإنسان عقله ، وعن طريق إعمال التفكيرالعقلاني المنطقي يصل الإنسان إلى مرحلة التحررمن الأفكار الخاطئة التي كان يعيشها لينتقل إلى مرحلة الحداثة ، والعلاقة البديهية بين أسس الحداثة هي ثلاثة :-

 العقلانية أولا والعلمانية ثانيا والديموقراطية ثالثا ، ولا يمكن تحقيق الديموقراطية بعيدا عن هذا التسلسل المنطقي.

والخطورة هنا في فصل الدين عن الدولة هو أن الدولة نتاج بشري والدين وحي إلهي ، فإذا كان الهدف من هذا الفصل هوالتمييز بين الوحي والسياسة  فلا إشكال فيه ، ولكن إذا كان الهدف منه هو رفع القدسية وطرد المقدس فإننا ندخل في مغامرة خطيرة تضر بالدين والدولة معا.

وهذا ما حصل في فرنسا حيث رفعت حركة اليعاقبة شعارا ( إشنقوا كل ملك بأمعاء قسيس) يعني بروح و فكر قسيس...!

 ورغم أن حقبة حركة اليعاقبة بجميع تشابكاتها بحاجة إلى وقفة لبيان بعض تفاصيلها القائمة على المركزية المتشددة الإستبدادية 

ورفض كل أشكال الإختلاف الذي عده (روبسبير) كبير منظري هذه الحركة " إنه انبثاق الفضيلة عن طريق مخاض دموي لمجتمع ثوري جديد ، وهذا الانبثاق ليس مبدأ خاصا بل هو مبدأ عاما للديموقراطية".

وعلى هذا المبدأ تحرك جيش نابليون وقتل 17 ألف بريئا في حملته العسكرية  على الدول الإسلامية (مصر وسوريا) ،  ونابليون رفع شعار توحيد المناطق الإسلامية ونشرالحرية والديموقراطية  فيها ، ولكنه في حقيقة  الأمر كان رجلا شريرا .

وما يمارسه ماكرون اليوم بإعلان إستراتيجية جديدة للتعامل مع الإسلام هي  تجديد فكر حركة اليعاقبة ، فتحولت العلمانية من إعمال طريق العقل إلى نزع كل شيء مقدس وكل نشاط اجتماعي أو خلقي ، وتحويل الإنسان تعسفآ  إلى مجرد أداة إستعمالية  وربط  الديموقراطية بها. 

والدليل (جاك شيراك) رئيس جمهورية فرنسا السابق  أدان من سخروا من نتيجة الإنتخابات في تونس عام 1999م والتي اعطت نسبة 99%  لرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي أطاح به الشعب التونسي عام 2011 م.

فالديموقراطية هنا أصبحت غير واضحة المعالم إلا إذا اعتبروا أنفسهم أهل للديموقرطية أكثر من غيرهم ، كما ذهب إليه (هنتنجتون) (إن الديموقراطية خاصية حضارية غربية لا يمكن زرعها خارج التربة التي نشأت فيها).

هذا التصور الفرنسي سواء العلماني أوالديموقراطي لا يتصادم مع  الدين الإسلامي فقط بل مع كل الأديان.

 لقد كانت المسيحية أكثرمن بشير ومحفز للخلق السماوي والتي ظهرت منها مبادئ الحرية والتكافل الاجتماعي والتحرر من كل الأخلاق الذميمة.

والديموقراطية كانت إرثا دينيا في اليهودية قائم على العدالة ومحبة الناس وقضاء حوائجهم ، والإسلام المحمدي الأصيل لا يقبل أن يترك المؤمنون دينهم على الباب من أجل نقاشات سياسية عامة .


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير