الإمام موسى الكاظم (ع) رجل فطنة وسياسة


قال جعفر الصادق (ع) عند ولادة إبنه موسى (ع) : " قد ولد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار " .

هذه الحقيقة ليست ضد حسابات أحد ينوي لك شيئا آخر، و ليس من ورائها تهديد لإنسان أو لقوم ولا طعن أو إخافة لأحد . هذا الوصف جاء محسوب الخسائر والأرباح بذكاء وصدق وأمانة ، وذلك لأن المطلوب أن نحول ثقة المنتمين للفكر الإسلامي المحمدي الأصيل كخطوة للأمام وليس الرجوع إلى الوراء ، وهذا يوسع دائرة العلاقات بين أفراد المجتمعات بعضهم بالبعض الآخر ، ويزيد من المصداقية بفاعلية القيادة في إحداث التغييرات لصالح الشعوب المستضعفة.

وإن المعنى من كلام جعفر الصادق (ع) في ولده هو أن يتحول مشروعه إلى مشروع خلاص للأمة الإسلامية من الظلم والواقع المؤلم كما كان موسى بن عمران النبي مشروع خلاص لبني إسرائيل من ظلم فرعون .

بنو العباس وصلوا إلى الحكم بالحديد والنار مما شكل خطرا على الدين وأتباعه ، فكان باعثا لمواجهة مفتوحة بين القرآن الكريم ومنهجيته في إدارة شؤون العباد والبلاد وبين غطرسة التاريخ . وهذا لأجل صياغة جديدة لإنشاء قوة عسكرية تكون الذراع الحديدي لدولة الحق العادلة المرتقبة ، و تضرب في عمق التاريخ وتستأصل شأفة الظلم والظالمين .

انعقد اللواء للإمام موسى بن جعفر (ع) ليكمل مسيرة بناء هذا المشروع بمقاييس قرآنية في الظروف الحالكة التي كان يعيشها الناس ، مع أن الثورة العلمية للباقر وجعفر الصادق (ع) قد وضعت قواعدها التأسيسية واكتملت جوانبها في عهد الإمام موسى الكاظم (ع) حيث بدأت المصانع تنتشر في الدولة الإسلامية مثلا (الورق ، الأقمشة ، الجلود ، الأسلحة) وأصبح هناك إكتفاء ذاتي لهذه السلع وغيرها واقعا إقتصاديا للدولة الإسلامية. وبذلك توسعت رقعتها الجغرافية ، وكان عصر موسى بن جعفر(ع) أكثر العصور ثراء و تقدما في جميع مناحي الحياة حتى خاطب الخليفة هارون الرشيد السحاب قائلا : " أينما تمطري ففي ملكي " .

إلا أن السجلات قد كشفت عن حالات الفساد المالي والإداري وبداية التسلط الأجنبي ( الروم و الأتراك ) على مقدرات الدولة الإسلامية ، فتحملت الجماهير المستضعفة أثقالا كبيرة من الفقر والفاقة والتعذيب والآلام والأحزان مما أضعف الحكومة المركزية وجعلتها طعما سائغا للأعداء ، فإن سقوط عاصمة الخلافة الإسلامية ( بغداد ) بيد الأعداء هي النتيجة الحتمية لهذا الفساد. بهذا تكون أرض العراق غير صالحة لمشروع الخلاص وإنشاء قواعد تأسيسية له ، فلا بد من الإنتقال إلى أقاليم أخرى ذات مواقع استراتيجية هامة جغرافيا ، فاختيرت اليمن وإيران "خراسان سابقا " لذلك.

نجح موسى بن جعفر (ع) في وضع حجر الأساس لهذا المشروع وكانت إيران و اليمن نقطة إنطلاقه ، وتحديدا من مدينة (الرقة ) أحد ضواحي مدينة خراسان في إيران التي انطلقت منها شرارة الثورة العباسية أطاحت بالخلافة الأموية على يد (أبومسلم الخراساني) ، و (صعدة ) في اليمن التي أسسها السيد( إبراهيم بن موسى بن جعفر (ع)) ثم تبعه السيد (يحيى بن الحسين بن القاسم) ليعلن إنفصاله عن الدولة العباسية ويتخذها مقرا لنشر الفكر الإسلامي المحمدي الأصيل ، وكان هذا التأسيس لمشروع الخلاص تمهيدا لظهور الخراساني واليماني الموعود الذراع العسكري لدولة الحق العادلة المرتقبة والقوة العسكرية التي ستضرب غطرسة التاريخ .


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير