قراءة في كتاب الدم المقدس والكأس المقدسة.2


إن العالم الذي نعيشه عالم متغير وبه علامات كثيرة، وقراءة هذه العلامات ليس بالأمر الهين  لهذا سأقتحم العقبة وآخذ على عاتقي تبيان العلامات المهمة المرتبطة بموضوع البحث ، والعلامة كوحدة  بين الدال والمدلول  تكون مفهوماً أساسياً في حدّ ذاته تغذي المقاربة للظاهرة الاجتماعية ، على سبيل المثال في المناسبات الدينية عند المسيحيين في هولندا هناك  موكب احتفالي يطوف في المدينة يحمل بقايا الدم المقدس، وظهور هذا الموكب كان  في القرن الثالث عشر الميلادي  وبحسب الأسطورة المسيحية فإن هذا الدم هو دم يسوع المسيح أخذه يوسف الأرامي من قطرات متساقطة من جسد المسيح وهو على الصليب، وهذا اليوم يعتبر يوم فرح وسرور لأن هذا الدم خلصهم من الخطايا.

 فلو ربطنا هذه  العلامة برابط اجتماعي سنخرج بدلالة رمزية  وهي أن المقدس والمدنس أصبحا في مرتبة واحدة من حيث القداسة، ولنوضح أكثر، الدم في التراث المسيحي نجس كما جاء في سفر عبرانيين  14:13:9 ما خلا دم المسيح فهو طاهر، أي إن دم موسى كليم الله نجس ودم وصي موسى وهو هارون أيضاً نجس، بل كل من جاء من الأنبياء و أوصياء الأنبياء دمهم نجس ،نحن كمسلمين ماذا نقول عن دم الأنبياء وأوصيائهم هل هو طاهر أم نجس ؟  نحن أحياناً تخوننا الحواس إذا أرغمناها على فهم الطبيعة، ولكن لا تخوننا لا الحواس ولاعقولنا في فهم واقع عصرنا، إنه عصر تغيب فيه المعاني كما وإن الحديث عن طبيعة شيء ما دائماً يجرنا إلى جوهره ويحاصرنا فيه، فعندما نسأل عن طبيعة  الدم المقدس فإنه يجرنا إلى جوهره، ولكن ما هو جوهر هذا المقدس ؟

 هل يمكن تعريفه بذاته أم فقط بالعلاقة مع مفاهيم أخرى منافسة له مثل المدنس والنجس والطاهر! خاصة إذا اخترنا الطريق على التفكير بذهنية الإنسان المتدين فإننا سنبطل مفعول قدسية أي مقدس، لأن المقدس في ذهنه لا يمكن معارضته، وحساسية المقدس عنده بمثابة الطاقة والقوة الداخلية فيه تجعل من الوقوف على جوهر المقدس  أمراً صعباً لأنه غاص في جوانبه ،لهذا سأبتعد عن تفسير المقدس تفسيراً لاهوتياً .ثمة سؤال طرحناه ألا وهو كيف تأسست فكرة الدم المقدس ! إذا سلمنا أننا لا نريد فهم المقدس ضمن سياق لاهوتي فمن الذي أسس هذه الفكرة ؟

كلنا يعرف أن المقدس هو عكس المدنس ويتعارض معه، هنا يطرح سؤال مهم  نحن عندما نتحدث عن المقدس بشكل بعيد عن النظرة اللاهوتية، فإننا نتحدث عنه ضمن حديث إنسان ذي أعراق متعددة، لنوضح المعنى أكثر هناك علم يسمى بعلم الشعوب أو علم الأعراق ويطلق عليه علم إثنولوجيا فلو قلنا استناداً على هذا العلم : إن الدم مقدس عند مجتمع ما ونجس عند مجتمع آخر على سبيل المثال الدم بطبيعته عند الفقهاء نجس، ولكن إذا ما سال هذا الدم في طقس من الطقوس الدينية عند طائفة معينة  فهو مقدس عندهم .وهذا الأمر يدفعنا للتساؤل هل الدم  هو المقدس  أم فعل الإنسان الذي يمارس طقساً دينياً ، أيهما هو المقدس ؟ 

 الجواب: الدم نجس وليس مقدساً ، ولكن الطقس الديني مقدس، هنا دخلنا ساحة التأويل فالتعريف للمقدس أصبح ناقصاً لأنه يتعارض مع ذاته ، كيف ؟ هل يمكن ممارسة الطقس الديني الذي يجب أن يسيل فيه الدم أو يحمل فيه الدم في موكب احتفالي أم لا يمكن ؟ الجواب: لا يمكن لأنهما لا ينفصلان عن بعضهما البعض ، إذاً عندما نعارض المقدس بالمدنس يجب أن نسأل عن المدنس أو النجس ومفهومه في المجتمعات السائدة التي تمارس الطقس الديني ذاته ما هو تعريف النجس أو المدنس عندكم ؟ 

 هنا ينشأ عالمان متضادان  وفي مجتمع واحد، أحدهما إيجابي مهمته تحويل طبيعة كل أمر دنيوي بحسب حاجات المجتمع يتضمن إدخال شخص أو شيء طاهر أو علامة رمزية حتى لو كانت نجسة إلى العالم الدنيا، كأن يقوم مجتمع ما بإدخال رمزية امرأة طاهرة عفيفة إلى طقس يسيل فيه دم الذي بطبيعته نجس وذلك لرفع جوهر هذه الطبيعة إلى منزلة  الطهارة والقداسة،   والثاني  سلبي مهمته إبقاء كل ما هو مقدس داخله ضمن كينونته الخاصة مخافة أن ينشأ بينهما احتكاك غير مناسب فيفقد كل ما بناه من حواجز يقيه شرّ الكوارث، وهذه الحواجز التي تضمنها ضمن كينونته هي الأساطير والتحريفات والأكاذيب والتدليسات باسم الصالحين والطيبين الطاهرين ، إذاً الذي أسس فكرة تقديس الدم هو الإنسان نفسه، وليس الكتاب السماوي ولا رسول السماء،  فلنسترح قليلاً ثم نعود . والحمد الله رب العالمين


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير