قد يعتقد البعض أن الخطاب هو وسيلة ليترقي الإنسان مكانا اجتماعيا لأنه يستطيع أن ينقل ما يفكر به إلى الناس سواء كان هذا التفكير نظيفا أم غير نظيف المهم هناك مساحة له يتحدث فيه ما يريد فهذا الخطاب غير قائم على أسس منطقية أو ألسنية و إنما قائم على أساس التكوين والتحويل سأقرب لكم المعنى
يحكى أنه كان هنالك أربعة طلاّب جامعيين، قضوا ليلتهم في الاحتفال والمرح ولم يستعدّوا لامتحانهم الذي تقرّر عقده في اليوم التالي. وفي الصباح اتفق أربعتهم على خطّة ذكية. قاموا بتلطيخ أنفسهم بالوحل، واتجهوا مباشرة إلى عميد كليتهم، فأخبروه أنّهم ذهبوا لحضور حفل زفاف بالأمس، وفي طريق عودتهم انفجر أحد إطارات سيارتهم واضطرّوا نتيجة لذلك لدفع السيارة طول الطريق. ولهذا السبب فهم ليسوا في وضع مناسب يسمح لهم بخوض الاختبار.
فكّر العميد لبضعة دقائق ثمّ أخبرهم أنّه سيؤجل امتحانهم لثلاثة أيّام. فشكره الطلاب الأربعة و وعدوه بالتحضير الجيد للاختبار. وفي الموعد المقرّر للاختبار، جاؤوا إلى قاعة الامتحان، فأخبرهم العميد أنّه ونظرًا لهذا الظرف الخاص، سيتمّ وضع كلّ طالب في قاعة منفصلة. ولم يرفض أيّ منهم ذلك، فقد كانوا مستعدّين جيّدًا. كان الامتحان يشتمل على سؤالين فقط: السؤال الأول: ما هو اسمك؟ (علامة واحدة) السؤال الثاني: أيّ إطارات السيارة انفجر يوم حفل الزفاف؟ (99 علامة).
هذه القصة كيان من فعل وتفكير فعل هي الجرأة في تغيير الحقيقة ، والتفكير هو الهروب من الواقع ، فالفكر منع هؤلاء الطلبة من مجرد مناقشة الوضع مع عميد الكلية لعدم تمكنهم من التحضير للامتحان ، هذا التفكير أدخل الطلبة في إشكالية مع فهم مفهوم المصطلح التعليم من حيث الوظيفة ومن حيث العلاقة التي يرتبط بها التعليم مع المفاهيم المختلفة ، بمعنى أنك إذا أردت أن تغير في معنى مفهوم مصطلح طرحته للناس سواء في الدين أو الاجتماع أو الاقتصاد أيا كان المجال الذي تتحدث فيه فإنك تصنع مفهوما معينا يجب عليك أن توجد الترابط بينه وبين المفاهيم المختلفة الأخرى ، لأن المفهوم مركب متكامل وليس مركب بسيط .
مثلا لو جئت وقلت إن دفع الخمس واجب شرعا ومنكر الخمس مخلد في النار لأن الآية 41 من سورة الأنفال ذكرت بصريح العبارة ( فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامي والمساكين وابن السبيل)
سؤال : هل يمكن الاعتماد على مصطلح الخمس في الآية لتحديد مفاهيم اقتصادية من أجل بناء منظومة اقتصادية متكاملة أم لا بد من تشكيل عناصر أخرى تحدد علاقاتها مع هذا المصطلح ؟ الجواب لابد من تشكيل عناصر أخرى تحدد العلاقات مع مصطلح الخمس من حيث الوظيفة والعلاقة الترابطية مع مختلف المفاهيم ، وبدونهما لا يمكن أن نحدد مسارا للتطبيق أي مفهوم من المفاهيم ، ولكن هذا لا يعني أن مفهوما واحدا يتمتع بجميع العناصر والعلاقات مثلا هل للضرائب علاقة مع الخمس أم لا ؟ هل للزكاة علاقة مع الخمس أم لا ؟ هل لزيادة أسعار السلع علاقة مع الخمس أم لا ؟
هل الأسرة المتوسطة الدخل لها ارتباط مع الخمس أم لا ؟ كل هذه العلاقات وغيرها يجب أن تناقش ، و يجب أن تطرح بصيغة منظومة اقتصادية متكاملة حينها سيكون لدينا مفهوم متكامل عن الخمس
ولكن إذا جئت وقلت تاريخيا لم يثبت أن للخمس علاقة مع المفاهيم المختلفة لأن التاريخ تجد فيه مفاهيم متعرجة ومتشابكة مع مفاهيم أخرى . من هنا نفهم لماذا يتجه الخطيب دائما نحو الخطاب الديني ويبتعد عن الخطاب التاريخي في تفسير المفاهيم ،
نحن طرحنا في الحلقة الماضية هذا السؤال إذا سالت أحد معارفك من الخطباء ماهي علاقتك بالتاريخ ؟ ترى ماذا سيكون جوابه ؟، قبل الإجابة عليه أود التنويه للقارئ الكريم ، أنه عندما أطلب منه توجيه سؤل ما إلى المعنيين ، تأكدوا أنني قد وجهتها إلى الجهة المعنية للسؤال وحصلت على أبسط جواب وهو أن علاقتي مع التاريخ العبر التي استفيد منها ، جيد جدا .هذا الجواب وضح لنا مسار التفكير لهذا الخطيب ولكن غيره ذهب إلى أبعد من ذلك بقوله أن التاريخ هو جسر لبناء الهوية الإنسانية ، إذن انتقلنا من قضية واحدة الى قضية أخرى من الاستفادة من العبر من التاريخ إلى بناء الهوية الإنسانية ولكن هذا الاختلاف هل انفصل عن التاريخ أم لم ينفصل ؟ لم ينفصل
مثلا لو جئنا وقلنا أن مفهوم الإمامة عند الشيعة جزء من أصول الدين ولكن عند أهل السنة ليست من أصول الدين هل هذا الاختلاف فصل الطرفين عن أركان الإسلام تاريخيا أم لم يفصل ؟ لا لم يفصل إذن الإمامة هل يمكن معالجتها تاريخيا أم لا يمكن ؟ لا يمكن لأن الاختلاف التاريخي لا يعني فصل القضايا عن بعضها البعض حتى لو اختلفت في المعاني فأين ستبحث عن الإمامة ؟ في الدين وليس التاريخ
سؤال إذا صعد الخطيب المنبر وقال إن فلانا شاهد الإمام المهدي (ع) والتاريخ ينقل أن المهدي (ع) قال ألا
فمن أدعى المشاهدة فهو كذاب مفتر ، أيهما نصدق الشحص الذي قال التقيت بالمهدي أم المهدي نفسه الذي قال من أدعى أنه رآني فهو كذاب مفتر ، قل لي إذا اعترف عندك شخص وقال لك التهمة التي سمعتها عني لا أساس لها من الصحة وهذا دليل مادي ملموس هل ستصدقه أم لا ؟ مؤكد ستصدقه لماذا ؟ لأنه اتضحت لديك ملامح القضية موضوع التهمة ، إذن لماذا لا تصدق المهدي (ع) وهو معصوم من الخطأ أنه لا يمكن لأحد مشاهدته في عصر الغيبة الكبرى ، وترجح مقولة إنسان ذوقه باهت هدفه دغدغة مشاعر الأخرين بإسم المهدي (ع)
كون أن المشاهدة شيء مادي و تحقيقه بحاجة إلى أن يتجسد في حدث معين تستطيع أن تحدد ملامح الوجه وحركات العيون ونبرات الصوت وبدون هذا التحديد فالخطاب لم يؤدي وظيفته في ربط المفاهيم مع اختلاف ظروفها التاريخية .
نكمل بحثنا في الحلقة (4) إن شاء الله تعالى ..... إلى اللقاء