إذا كان لي أن أتوجه إلى القارئ الكريم بمناسبة ذكرى الثورة الحسينية على سبيل نشر الفكر الإسلامي الأصيل ، فإني أجيز لنفسي أن أقدم له عن ولادة فكر جديد ، و قراءة جديدة ، و نظرة جديدة لهذه الثورة عبر القول حول صحة ما نقل لنا من تراث عاشوراء أو عدم صحته .
كالتي سنتحدث عنها حول حقيقة عدد أنصار (الحسين بن علي) و هم بحسب التعبير العسكري جنود حرب أو معركة ، خطط لها من أول يوم تسلم فيه (الحسين بن علي) زمام قيادة الأمة الإسلامية وسط الاضطرابات السياسية و الاجتماعية التي عصفت بها و في تلك الحقبة الزمنية تحديدا ،
التي ما زلنا نعيش آثارها حتى يومنا الحاضر ، و هي المحصلة لمشكلة تشخيص الأزمة في ضوء الوقائع المباغتة لأحداث الثورة الحسينية ضد الفكر السياسي و العقائدي الذي تبنته السلطة الأموية في تحطيم كل ما يساهم في بناء الإنسان و تطوير المجتمع الإسلامي ضمن تعاليم السماء .
و هذا المأزق الفكري هو نفسه الذي سطر أحداث عاشوراء ، و هو نفسه الذي حول الشعارات المتداولة من يوم عاشوراء إلى منطلقات ضعيفة ، كالتي تطرق إليها الطبري و أبي مخنف أن عدد الذين جاؤوا لنصرة (الحسين بن علي) هم 72 رجلا فقط .
و إذا جزمنا أن عدد الذين ناصروا (الحسين بن علي) كانوا قلة في العدد ، مما يوحي أن أنصار و موالين أهل البيت لم يكونوا بحجم المسؤولية في فهم القيادة الإسلامية الأصيلة , هذا التشخيص حملني لإعادة النظر في العدة الفكرية للخطاب الإسلامي أو في العمل و التنظيم الإسلامي ، و بعد أن تكشفت محاولات الاستنارة و العقلنه عن عتماتها .
انفجرت العلاقة بين الدال و المدلول مما جعل من الأفكار الكبرى في كتب المقاتل و غيرها التي تحدثت عن عظمة هذه الثورة ارتدت على أصحابها في ظل المعطيات التاريخية التي عملت على تشويه صورة هذه الثورة عمدا .بهذه المقدمة تعالوا معي ننطلق لكشف حقيقة عدد أنصار (الحسين بن علي) في نهضته. هل كانوا فعلا 72 رجلا أم لا ؟
و أنا أعترف أنني بكشف هذه الحقائق زعزعت القناعات الراسخة ، و عملت على زحزحة المشكلة و إعادة صياغة الأسئلة حول جزئية عدد جيش (الحسين بن علي) في واقعة كربلاء ، بصورة أكثر عقلانية و موضوعية و واقعية . من أجل ذلك نضع بعض النقاط الإستراتيجية حسب تفكير المنطق العسكري لنتعرف على ذهنية قائد المعركة و منها نستطيع الوصول إلى هدفنا . ركزوا معي رجاء
إذا سألت أحد القادة العسكرين أن (الحسين بن علي) نزل أرض كربلاء ، وهي أرض فضاء بها بعض النخيلات ، و هناك نهر يجري في هذه الصحراء يسمى بشط الفرات ، وكانت ترافقه كتيبة (الحر بن يزيد الرياحي) العسكرية تابعة لحكومة بني أمية ، بمعنى أنه أجبر على النزول في هذه الأرض ترى ماذا يجب عليه أن يعمل استعدادا للمعركة المرتقبة ؟
أعتقد الجواب سيكون أن ( الحسين بن علي) بحاجة إلى :
1- التحصينات القوية لمنع العدو من التسلل إلى المخيم
2 - توزيع الخيام بشكل يمنع العدو النيل من الأطفال و النساء
3 - إيجاد غرفة عمليات لقيادة المعركة
4- التحالف مع السكان المجاورين لأرض كربلاء لضمان عدم انخراطهم مع جيش العدو ضده إن لم يناصروه
5- إيجاد مواقع إستراتيجية لضمان تحرك الجيش ساعة ملاقاة العدو و العودة إلى نقطة الإنطلاق
هل عندكم نقاط أخرى تودون إضافتها ، الآن دعونا نحلل هذه النقاط الخمسة على ضوء ما ما وصلتنا من أخبار عن واقعة كربلاء كما ذكرتها كتب التاريخ و هي :-
موسوعة ويكابيديا ( لحساب المساحات فقط) ، تاريخ الأمم و الملوك (الطبري)، دراسة النهضة الحسينية تأليف (دائرة المعارف اللبنانية) ، نهضة الحسين (السيد دستغيب)– الفتوح (لابن الأعثم الكوفي) ، موسوعة بطل العلقمي(عبدالواحد المظفر) ، مروج الذهب (للمسعودي) ، الكشكول (محمد البهائي) ، بطل العلقمي (عبدالواحد المظفر) ، تاريخ كربلاء وحائر الحسين (د. عبدالجواد كليدار)
تقول هذه المصادر أن (الحسين بن علي) لما نزل أرض كربلاء في 2 من محرم عام 61 هجرية قام بالآتي :-
-1 فصل خيام النساء و الأطفال و أقام ( 28 خيمة) لهم بعيدا عن خيام جيشه .
-2 حفر خندقا مع صبيحة يوم عاشوراء خلف المخيم و أضرم النار فيه قبل ملاقاة العدو.
-3 اشترى أرض كربلاء من أصحابها ب 60 ألف درهم بمساحة 4 * 4 أميال و التي درات عليها المعركة (الإمام جعفر الصادق) يقول (قبر الحسين 5 فراسخ من أربعة جوانب) الفرسخ 3 أميال ، كل ميل = 1600 متر الفرسخ = 5 كيلوا متر
-4 أبعد المخيم عن شط الفرات و خيم قرب التلال
السؤال الذي يفرض نفسه هل يستطيع (الحسين بن علي) القيام بكل هذه الأمور مع 72 رجلا . مثل حفر الخندق مثلا ؟ الجواب: كلا و لماذا ؟
أولا : أن الحسين بن علي لما نزل كربلاء رأى تلاعا ثلاثة متقاربة لأنها كانت مكنا ومكمنا للأعداء فحفر خندقا من خلف الخيام من ثلاثة جوانب 950 مترا طولا ، و 12 مترا عرضا لمنع العدو من إقتحام الخندق لنكن واقعيين (الحسين بن علي) كم يوما يحتاج لحفر الخندق 950 مترا طولا و 12 مترا عرضا ؟ لا أقل شهر أو شهرين ، وكم يحتاج من عدد العمال لحفر الخندق ؟ لنقل 1500 عامل ، ولكن اذا كان العمل يجب ان ينجز في 9 ساعات مثلا كم يحتاج من العمال ؟ 10 الآلاف عامل .
و كم عدد الأفراد الذين سيحتاجهم لحماية العمال و المخيم من الخلف خلال حفر الخندق ؟ لا أقل 600 فارس ، هذا إذا سلمنا أن أفراد الألوية الثلاثة (المينمة و الميسرة و القلب) انيطت إليهم مهمة حماية الواجهة الأمامية للمخيم وعددهم لنقل لا أقل 600 رجل
علما أن صاحب كتاب بطل العلقمي لا يذكرون أن حفر الخندق كان في ليلة أو مع صبيحة يوم عاشوراء ، وهذا احتمال وارد أن حفر الخندق كان عند نزول (الحسين بن علي ) أرض كربلاء. مما يدل ان معركة كربلاء استمرت أكثر من يوم واحد
ثانيا : (الحسين بن علي) ابتعد عن منطقة جريان شط الفرات فهو بحاجة إلى مخزون مائي للجميع ، ولحماية هذا المخزون لنقل أنه وضع 50 مقاتلا ، إضافة فهو بحاجة إلى الخدمات اللوجستية لنقل أنه وضع على الأقل 50 رجلا لهذه المهمة.
أنا حتى الأن لم استنطق المصادر التاريخية اعلاه عن عدد أنصار(الحسين بن علي) و إنما أردت أن أحلل واقع التخطيط العسكري ضمن الخطوات الأمنية التي اتخذها (الحسين بن علي) ساعة وصوله إلى أرض كربلاء ، و قد رأينا المنطق العسكري لا يقبل بالعدد 72 مقاتلا للتجهيز لمواجهة عسكرية.
الآن قل لي بعد هذا التحليل المنطقي لخطة واحدة من خطط (الحسين بن علي) في كربلاء وهي حفر الخندق وصلنا إلى ضرورة وجود على الأقل 3000 مقاتل إذا لم يكن أكثر من 10 الآلالف مقاتل معه ، فهل ما زلتم مصرين على أن الذين خرجوا معه كانوا 72 مقاتلا أم لا ؟ الإئتلاف الروزخوني التقليدي سيصر على العدد 72 مقاتلا .
والغريب هؤلاء يثبتون تاريخيا عدد 30 ألف مقاتل زحفوا لحرب (الحسين بن علي) ولكن لا يريدون إثبات عدد أنصاره لغاية في نفوسهم ، لا بأس ، تعالوا معي لنستنطق المصادر التاريخية ماذا تقول عن عدد أنصار الحسين بن علي في كربلاء ؟
نكمل بحثنا في الحلقة (4) إن شاء الله تعالى... إلى اللقاء