حقائق مغيبة من عاشوراء (2) مسلم بن عقيل المفترى عليه (2)


 للإجابة على الأسئلة التي طرحناها في الحلقة الماضية ،  فإنه يتوجب علينا قراءة المصادر التاريخية عند المسلمين سنة و شيعة و بشكل موضوعي و حيادي.  سأضع هذه المصادر أمام أعينكم ومن ثم نسترسل في قراءة الأحداث معا لنصل إلى الحقيقة.

تاريخ الأمم و الملوك (الطبري) ، الطبقات (لابن سعد) ، الإمامة و السياسة (لابن قتيبة الدينوري) ، أخبار الطوال (لأبي حنيفة الدينوري) ، تاريخ الذهبي (للذهبي) ، الكامل في التاريخ (لابن الأثير) ،

 الفتوح (لابن الأعثم الكوفي) ، مقتل الحسين (ع) (لأبي  مخنف) ، أعيان الشيعة ( السيد محسن الأمين)،  مقاتل الطالبيين (لأبي الفرج الأصفهاني) ، أنساب الأشراف (البلاذري) ، شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار (القاضي النعمان بن محمد المغربي).

ماذا تقول هذه المصادر حول حركة (مسلم بن عقيل)  في الكوفة  ؟  خلال دراستي لهذه المصادر وجدت ما يلي :-

1 -  يذكر القاضي(النعمان المغربي) أن مهمة (مسلم بن عقيل) كانت سرية  في إعداد المناصرين و التعبئة العامة مع صلاحية له من (الحسين بن علي)  المواجهة العسكرية مع جيش (يزيد ) إذا أقتضت الضرورة .  وكان دخول  (مسلم بن عقيل) الكوفة  في 6 شوال عام 60 هجرية  و نزل في بيت (المختار الثقفي).

2 -   اجتمع الأنصار في بيت (المختار) و طلب ( مسلم بن عقيل)  مكانا يكون أوسع من بيت المختار فتم شراء بعض البيوت في الكوفة من أجل سهولة انتقال فصائل جيش (مسلم) و تم اختيار بيت( طوعة)  كمركز للعمليات العسكرية و إدراة شؤون العسكر و غيرهم  لسعة مساحته.

الدينوري يقول " إن (طوعة) آوت (مسلما) و فرشت له في بيت غير الذي تسكن فيه "  مما يدل على سعة مساحة بيت (طوعة) ، يمكن استخدامه كمخزن للأسلحة و استراحة للجند و مخزنا للتموين و مركزا  لقيادة العمليات العسكرية  و هذا ما حصل فعلا.

3 -   خلال فترة وجيزة تم تشكيل وحدة عسكرية قوامها 4 آلاف مقاتل و من ثم بدأت حالات التجنيد العسكري تزداد حتى وصل إلى 18 ألف مقاتل ، كما في الكامل في التاريخ (ﻻبن الأثير) أن (مسلم بن عوسجة) بدأ بجمع الشيعة و قبائل مدحج و كنده و أسد " وهذا قبل تعين (ابن زياد )واليا على الكوفة.

4 -  يذكر البلاذري أنه  وصلت أخبار و رسائل بعثها (عمر بن سعد) إلى بلاط( يزيد )عن احتمال قيام ثورة في الكوفة و انفصالها عن الحكومة المركزية بقيادة (مسلم بن عقيل) و انخراط زعماء الكوفة تحت لوائه (كشبث بن الربعي و حجاج بن أبجر).

5 -   عزل (يزيد) واليه (ابن النعمان) على الكوفة و ولى (عبيدالله بن زياد) عليها ثم أرسل 10 الآلاف مقاتل  بقيادة (ابن الطفيل)  لمساندة (ابن زياد) ، حيث تزامن وصول الجيش الأموي مع دخول (ابن زياد) إلى قصر الإمارة بالكوفة    (الإمامة و السياسة للدينوري ). ملاحظة ( قصر الإمارة ملاصق لمسجد الكوفة)

6 -  يذكر (أبوحنيفة الدينوري) أنه بعد تسرب الأخبار عن عزل الوالي (ابن النعمان) عن الكوفة  و تنصيب ابن زياد عليها ، و وصول طلائع جيش الشام و الذي كان قوامه 10الآلالف مقاتل عسكروا على أسوار الكوفة.

قام (مسلم بن عقيل)  بتغيير خطة الاستيلاء على القصرحيث أرسل (سليمان بن الصرد الخزاعي) على أربعة آلاف جندي لإيقاف زحف الجيش الأموي نحو الكوفة في 7 ذي الحجة عام 60 هجرية.

7 -   الذهبي في تاريخه يذكر أنه  في 8 من ذي الحجة يعلن (مسلم بن عقيل) ثورة على (ابن زياد) و يحاصر القصر بعد وصول خبر مقتل (هانئ بن عروة) بشعار (يامنصور أمت)  ، و تقع معركة بين كتائب (مسلم بن عقيل) و كتائب (ابن زياد) بقيادة (شبث بن الربعي و القعقاع بن شور) يساندهم (الأشعث بن قيس) عند قصر الإمارة ، و الطبري يقول : احتصن (ابن زياد) داخل مسجد الكوفة  مع زعماء الكوفة (كشمر بن ذي جوشن و الحجاج بن أبجر)

8 -  يذكر ابن الأعثم  أن (مسلم بن عقيل)  أثخن بالجراحات و نقل إلى بيت (طوعة) ،  و أمر الكتائب بالانسحاب من عند القصر على أمل اللقاء صبيحة يوم  9 من ذي الحجة عام 60 هجرية ، كما يطلب من قائدي اللوائين (مسلم بن عوسجة و أبو ثمامة الصائدي) الخروج من الكوفة عبر النخيلة و انتظار الركب الحسيني ثم الانضمام إلى جيشه  . 

9 -  يذكر الطبري  أن (المختار الثقفي) انسحب  و كتيبته التي حاصرت (عمرو بن الحارث) أحد قادة كتائب (ابن زياد) ، و بعدها وقع (المختار) في قبضة صاحب شرطة الكوفة و أدخل السجن و انضمت فصائله تحت لواء (مسلم بن عقيل) .

10 -  يذكر ابن الأعثم  أن  (ابن زياد)  طلب من (الحصين بن النمير) البحث عن (مسلم بن عقيل) لأنهم لا يعرفون مكانه وأعطاه 12 ألف جندي للبحث عنه.

11 -  يذكر أبن الأثير أنه بعد استراحة المقاتل  و تضميد جراحات (مسلم بن عقيل)   أمر بملاقاة كتائب (ابن زياد) الذين توزعوا في شوارع الكوفة و أزقتها ، و بعد أن وزع الكتائب و أرسل البعض لملاقاة الجيش الأموي و البعض الآخر أرسلهم للالتحاق بالركب الحسيني ، بقي هو في كتيبتين بقيادة (عبدالله الكندي و عباس الجدلي) .

12 – يذكر أبو حنيفة الدينوري  و ابن الأعثم : أن   الكتائب التحمت مرة أخرى و خرج (مسلم بن عقيل) على رأس الكتائب من بيت (طوعة) ، بان  العجز العسكري في صفوف(ابن الأشعث) فطلب المدد العسكري من (ابن زياد)  ومع وصول هذا المدد  هجم على بيت (طوعة)  و قتل قادة الألوية في جيش (مسلم بن عقيل).

هنا يطلب (مسلم  بن عقيل) ممن تبقي من الفصائل العسكرية  الانسحاب من باب كنده  و ينتظروا  أوامره.  يقع (مسلم بن عقيل) في 8 ذي الحجة عام 60 هجرية  في قبضة كتيبة (الأشعث بن قيس) بعد معركة  شرسة استمرت إلى غروب الشمس  .

13 -  ذكرت شبكة النبأ المعلوماتية في مقالة لها بعنوان ( طوعة ملاذ قنديل السماء) أن  كتائب (ابن زياد) اقتحمت  بيت (طوعة) بعد استشهاد  (مسلم  بن عقيل)  و اقتادوها إلى مجلس (ابن زياد) حيث تقف شامخة أمامه عندما سألها لماذا آويت (مسلم بن عقيل) ؟

فتجيبه " كيف لا آوي سيدي و مولاي ناصر إمامي (الحسين)، فيأمر (ابن زياد) لها بالسجن و يطلق سراحها بعد استشهاد (الحسين بن علي) مع باقي المعتقلين (كالمختار الثقفي)  بتدخل من (عبدالله بن عمر بن الخطاب) و أحد أقارب (طوعة)

من هذه الأحداث تبين لنا  أولا :  أن مهمة (مسلم بن عقيل) كانت سرية و لم يكن يلتقي مع أحد خلال فترة وجوده في الكوفة قبل إعلان الثورة ،  و هذا يدل على أنه لم يصل في مسجد الكوفة مع أنصاره  فكيف تفرق عنه الناس من المسجد و هو ملاصق بقصر الإمارة و محاط بآلاف الجند من كتائب (ابن زياد) ناهيك أن الأخيرة قد احتصن داخل المسجد قبل القبض على (مسلم بن عقيل) و هذا يعني أن للمسجد باب داخلي يؤدي إلى داخل قصر الإمارة مباشرة) .

ثانيا : (طوعة) كانت ضمن مخطط  (مسلم بن عقيل) ، جندها لحركته المرتقبة و هو ما ذكره (الدينوري في أخبار الطوال)  و أن بيتها كان بعيدا عن عيون أعوان (ابن زياد) بعكس بيت (المختار الثقفي)  الذي كان محاصرا من أول يوم إعلان الثورة في 8 ذي الحجة  عام 60 من الهجرة .

ثالثا :  نستدل  أيضا أن الشيعة  لم يخذلوا (مسلم بن عقيل)  إذا أحببنا أن نتحدث بلغة مذهبية ، كما صوره لنا  (الطبري في ص 283 و289) و (أبي مخنف في مقتل الحسين) ، بل أن مسلم هو من أرسل بعض الكتائب لإلتحاق بركب (الحسين بن علي).

و البعض الآخر إلى ملاقاة جيش الشام إذا تطلب الوضع  ذلك ، إضافة إلى أنه هو من أرسل (الحر بن يزيد الرياحي) لمنع (حصين بن نمير) الذي عسكر في القادسية لملاقاة (الحسين بن علي) في الطريق و محاربته  (ملاحظة : سيأتينا في ترجمة الحر لاحقا)

رابعا :  وزع مسلم بن عقيل  18 ألف مقاتل ، على النحو الآتي : -

(4 الآلاف) جندي مع (سليمان بن الصرد الخزاعي) عسكروا في النخيلة  لصد هجمات جيش الشام  و قوامه 10 آلاف مقاتل على الكوفة.

(14 ألف مقاتل)  وزعوا على أربعة  ألوية : (عبدالرحمن بن كريز الكندي) على كندة ، (مسلم بن عوسجة) على مذحج و أسد ، و عقد (لأبي ثمامة الصائدي) على هوازن وتميم ، و عقد (للعباس بن هبيرة) على قريش و الأنصار، و خص الراية  الخضراء (للمختار الثقفي) .

خامسا : الكتائب التي التحقت (بابن زياد) هي كتيبة (الحمراء 4 آلاف مقاتل) -  كتيبة (الديلم 5 آلاف  مقاتل) - طلائع  (جيش الشام 10 آلاف مقاتل)  - كتيبة (الحصين بن النمير 12 ألف مقاتل)
  من هنا أيضا نستطيع اﻻستدلال عن عدد القوات العسكرية التي زحفت لمنازلة (الحسين بن علي) في كربلاء  ، و لكن هل كل هذه القوات شاركت في حرب (الحسين بن علي) في  كربلاء  أم ﻻ ؟  سنجيب عليه ضمن هذه السلسلة.

خلاصة القول إن التاريخ الذي ينقل لنا هو من تدوين بإملاءات الخلافة العباسية لتشويه صورة الثورة الحسينية و قادتها ، فإن (مسلم بن عقيل) كان قائد الركن للقوات المسلحة  لجيش (الحسين بن علي) الذي وضع لبنة تشكيلاتها العسكرية في الكوفة ،و قد ظهرت نتائج هذه التشكيلات العسكرية بعد استشهاد (الحسين بن علي) و الثورات التي أطاحت بحكومة بني أمية .

 فلا الشيعة خذلوا قائدهم (مسلم بن عقيل)  ، و لا (طوعة)  كانت خارجة من المعادلة في حركتها  في الكوفة بل كانت تعرفه حق المعرفة ،  ولا صلى في مسجد الكوفة لأنه ملاصق لقصر الإمارة،  و لا تفرق عنه أنصاره نهائيا .

وكان (مسلم بن عقيل) يعرف أزقة الكوفة و جغرافيتها  حق المعرفة   و قاد معارك  في شوارع و أزقة الكوفة أضعف كتائب (ابن زياد) و استشهد بطلا لم يعطيهم بيده إعطاء الذليل و لم  يفر منهم فرار العبيد.

فسلام على (مسلم بن عقيل) يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.

نكمل بحثنا في الحلقة (3) إن شاء الله تعالى ... إلى اللقاء.


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير