مما لا شك فيه أن الصورة التي رأيناها عن المرأة في التوارة والإنجيل والروايات والأحاديث النبوية وأقوال أئمة أهل البيت عليهم السلام المذكورة في كتب المسلمين على لسان الطاهرين صورة قبيحة جدا تحاكي الواقع النفسي المريض الذي يبحث دائما عن الآلام ويفتش بلذة للصق أخطائه على ظهرالعظماء ، ليس هذا فقط بل أظهرت لنا ملامح شخصية الأنبياء والمرسلين والأوصياء على أنها شخصية تسلطية ضد المرأة ولها الجرأة في مخالفة كتاب الله من أجل إشباع لذاتهم ورغباتهم الذاتية ، وعليه استند الفقهاء والمحدثين من أجل تبرأة ساحتهم عند نقل الرواية كي تبقى سلطة الرجل اليد الطولى على المرأة ، فالقاعدة المزعومة التي وضعها علماء الرواية هي " إن ما صح سنده صح متنه " بمعنى إن الرواية تصح بصحة الدراية ، علما إن في العلاقة بين السند والمتن ليس حتما مقضيا أن يدورصدق الرواية مع صدق الدراية.
ما هو تعريف الرواية والدراية ؟ وما هو تعريف السند والمتن ؟
ذكر )د.أحمد الجداوي( في كتابه )التحقيق( في قول تعريف الرواية والدراية قال : الرواية لغة إسم مأخوذ من الفعل (روي) بمعني حمل ونقل ويختص بحمل ونقل الماء ومن ذلك قيل للإبل الحاملة للماء (الراوية) وللماء العذب (الرواء).
أما إصطلاحا هوعلم يشتمل على ما أضيف إلى النبي (ص) من قول أو فعل أو تقريرأو صفة خُلقية أو خِلقية وسائرأخباره (ص) قبل البعثة وبعدها وما أضيف إلى الصحابة والتابعين من أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم ، ورواية المنقول وضبطه وتحرير ألفاظه. وهذا التعريف اختاره الطيبي وابن حجر وزكريا الأنصاري وغيرهم.
الدراية في اللغة : إسم مأخوذ من الفعل (دري) ومعناه : علم بالخبروتفكرفيه بإمعان النظروالتأمل فيه ، إصطلاحا : هوعلم يعرف به حقيقة الرواية (من كيفية تحملها وأدائها) وأنواعها (من حيث الإتصال والإنقطاع ونحوهما) وأحكامها (من حيث القبول والرد) وحال الرواة (من حيث الجرح والتعديل) وأصناف المرويات (من حيث أنواعها كالمصنفات والمسانيد والسنن وغيرهم) وما يتعلق بها (كمنهج المصنفين فيها).
أما عن السند والمتن فقد جاء في موسوعة ويكابيديا أن السند : هو الطريق الموصلة إلى المتن ، أي رجال الحديث ، وسموه بذلك لأنهم يسندونه إلى مصدره ، والمتن : هو ما انتهى إلى السند أي إلى نص الرواية.
من هنا يتبين لنا أن أي رواية نقرأها في أي من مجاميع كتب المسلمين الشيعية والسنية هي نصوص عن المعصوم ، وعندما نقول نص المعصوم نعني بذلك الألفاظ التي تلفظها المعصوم في الرواية الكذائية أو الحديث الكذائي ، والمعصوم لا يمكن أن يتلفظ بحديث أو أن ينطق برواية ليس لها مصدر يستند عليه ، لأن المعصوم بذاته بحاجة إلى كتاب في نقل الشريعة وتحديد أحكامها فلو لم يوجد كتاب من الله تعالى إلى نبيه كالقرآن لما استطاع النبي (ص) الإفتاء في الأحكام الشرعية ، فمحورية الحديث والرواية هو القرآن الكريم ، فما وافق عليه القرآن تمت الموافقة عليه من ذلك الحديث أوتلك الرواية مثلا :-
رواية الإمام علي (ع) " إن المرأة شرمطلق " التي فسرها المرجع (السيد السيستاني) أن الشرصفة ملتصقة لكل إمرأة ، هل يمكن قبول هذه الرواية أم لا ؟ طبعا لا يمكن قبولها لأن منهجية كتاب الله تعالى لا تتوافق مع هذه الرواية ، كيف ؟ رواية أن المرأة شرمطلق ، من أين جاءت ؟ ، إذا رجعنا إلى الروايات نجد أنها تذكرأن المرأة خلقت من ضلع أعوج ، هل توجد آية تخبرنا أن المرأة خلقت من ضلع أعوج أم أن القرآن تحدث بقوله " وخلق منها زوجها " سورة النساء -1- ، " وخلقكم من نفس واحدة " سورة النساء -1- ، إذن لا توجد آية قرآنية واحدة تقول أن المرأة خلقت من ضلع الرجل الأعوج ، وإنما السنة النبوية تحدثت عن ذلك وسنة الصحابة وسنة الأئمة (ع) تحدثت عنها ، ولأنها خلقت من ضلع أعوج فهي شريرة لأنها أخرجت آدم من الجنة علما إن الذي غوى هو آدم وليس حواء فتم لصق التهمة على ظهرالمرأة فهي أشد شرا من الشيطان لأن كيدها أعظم من كيد الشيطان.
إذن منطق (السيد السيستاني) لهذه الرواية تخصه هو وليس الإمام (ع) لإنها لم تثبت أن هذه الألفاظ صدرت من المعصوم ، وعليه نضرب التفسيروالرواية عرض الجدار، جاء في (بحارالأنوار) مجلد -2- ص 163 (إذا لم يكن المحدث عالما بحقائق الألفاظ ، ومجازاتها ، ومنطوقها ، ومفهومها ، ومقاصدها لم تجز له الرواية بالمعنى ، بلا خلاف بين أحد من علماء المسلمين).
وبنفس القاعدة في تفسيرالآيات القرانية ، فمثلا تحديد سن البلوغ للفتاة ، القرآن لم يحدد سن البلوغ 9 سنين هلالية كما جاء في فتوى (السيد السيستاني) وغيرهم ، وهذه الفتاوى لايمكن قبولها لأن القرآن أصلا لم يتعرض لسن البلوغ بل تعرض بشكل آخر " آنستم منهم رشدا " ، " بلغوا الحلم " ، " فإذا بلغ أشده " سورة الأحقاف - 15- وهذا المنهج هو منهج تكويني وليس منهج سني ، نعم يمكن اعتبار سن 9 أو 13 سن البلوغ للفتاة من حيث تكملة الجانب التكويني لها وليس الجانب التعبدي (دروس فقه المرأة السيد كمال الحيدري) وعليه فإننا ملزمون السيرعلى المنهج القرآني ، فرواية السن أصبحت مخالفة للقرآن الكريم فنضرب بها عرض الجدار أيضا ، وقس على ذلك ما سواها.
نأتي إلى الفقرة الأخيرة للجواب على السؤال الذي طرحناه في الجزء 4 ، أين الخلل ؟
من منطلق فهم الفقيه أو المحدث نجد أن الألفاظ التي ذكرت في الروايات والأحاديث لم تثبت للمعصوم وهذا دليل على أن الفقيه أو المحدث تشبث بالرواية (الأخبار) دون الدراية ، وهذا المنطق خاطئ جدا لأنه لم يتولد لدى الفقيه أو المحدث الشعور بالمسؤولية في تمحيص وتدقيق صحة سند الرواية ، وأن الرواية وحدها ليست معيارا للتحقق من المتون ، كما نرى هناك واجبا فرضيا للعمل بالدراية جنبا إلى جنب الرواية ، فالدراية ليست معناها البحث عن أحوال الرواة بل أيضا في صحة المحتوى الفكري أو الخبري الذي تنطوي عليه الروايات.
والدراية أيضا لا تعني قبول الرواية أو ردها كيفما اتفق إنسياقا وراء الهوى أو المصلحة أو التقليد أو لإعتبارات شخصية ، وإنما تعني إخضاع متونها للفحص والتمحيص والتدقيق والدراسة طبقا لضوابط صارمة لا تدع مجالا لتجرأ والعبث بدين الله تعالى كتلك المتون التي تخالف مخالفة قطعية للقرآن أو يكذبها الواقع المحسوس أو تناقض السنن الكونية أو تناقض الطبيعة البشرية أو تناقض الحديث نفسه أو تناقض الرواية نفسها أو تناقض بعضها بعضا.
وهذا المنهج تم التأسيس له منذ القرن الثاني والثالث والرابع في عهد الشيخ الصدوق ثم الشيخ المفيد وغيرهم إلى يومنا هذا في كل ما نجده من الكتابات والأحاديث والروايات هنا وهناك وخطب المنابر، حيث أشارالمجدد السيد (كمال الحيدري) بقوله " إن هذا المنهج الروائي (الأخباري) أسسه (أسترآبادي) ورسخه الشيخ المجلسي صاحب كتاب بحارالأنوار".
وقد انطلت خدعة المنهج الروائي (الأخباري) على جماهيرالأمة الإسلامية الشيعية عبرالقرون - علماء ومقلدين - حتى صارت تلك الدسائس والأكاذيب والضلالات تنسج الخرافات والسخافات وشكلت أجزاء محورية للعقيدة الإسلامية الشيعية أصولا وفروعا. من هنا ظهرت دعوات لبعث منهج الدراية الحقيقي الشامل المتكامل بين ظهراني الأمة الإسلامية حتى تتم عملية تطهير التراث الشيعي من الشوائب والأدران والفواحش والتناقضات والخرافات التي علقت به ، فكان السيد (كمال الحيدري) أنموذجا لإحياء التراث الشيعي وتطهيره من كل الموبقات ، والسؤال الذي يطرح نفسه ،
ماهي العملية الإصلاحية في التراث الشيعي التي ينادي بها (السيد كمال الحيدري) ؟
نتوقف هنا منعا للملل لنجيب على السؤال في الجزء 6 والأخير من بحث (المرأة في فكرالسيد كمال الحيدري).
إلى اللقاء.