تحدثت في الحلقة (1) عن توقيت الأحداث المستقبلية وأنه ليس منهي عنه شريطة استخدام القواعد اللازمة معه وهذه القواعد لا تعمل في غياب النصوص ذات العلاقة في التوقيت للحدث المستقبلي ، والنصوص في بحثنا على ثلاثة أقسام : (كتاب الله ، حديث نبوي شريف ، رواية عن وصي نبي) ، ولكي نصل إلى النتيجة المتواخاة من هذه النصوص ونتنبأ بالتوقيت كما جاء في النص المقدس لابد من تطبيق الضوابط التي تحكم تنزيل(إسقاط) الأحاديث والروايات على الوقائع والحوادث عند علماء الحديث من الفريقين (سنة وشيعة).
يقول الدكتور (شرف القضاة) أستاذ الحديث النبوي وعلومه في الجامعة الأردنية " أن منهج التعامل مع أحاديث الفتن وأشراط الساعة يقوم على ركنين ، الأول : ثبوت الأحاديث النبوية ، أي أن تكون صحيحة ، والثاني : دلالة الأحاديث أي فهمها فهماً صحيحاً ، فلا بد من الإعتماد على الأحاديث الصحيحة الثابتة ، حين الحديث عن الفتن وأشراط الساعة ، وفهمها بطريقة صحيحة قويمة ".
والشيخ الدكتور(عبدالله بن حمود الفريج) عضو الجمعية السعودية الدعوية قال : " إن تنزيل أحاديث الفتن وأشراط الساعة لها شروط عدة منها أولا : الإقتصار في التزيل على نصوص الوحي والتأكد من صحتها لفظا ومعنى ، ثانيا : أن يكون التنزيل بعيدا عن التكلف واضح للعالم ويفهمه العامي ثالثا : التحقق من طبيعة الواقعة واستكمالها للأوضاع الواردة في النص ". هذا في مدرسة أهل السنة والجماعة.
أما في مدرسة الشيعة الإثناعشرية فإن الضوابط لتنزيل الأحاديث والروايات على الوقائع والحوادث هي عشرة ضوابط :( البلوغ والرشد ، تواتر الحديث ، النقل باللفظ والمعنى ، السماع المباشر لمن ينقل عنه ، الضبط والدقة في الأداء ، قوة الذاكرة ، أصل الإسناد وجودته ، الوثاقة وعدم التدليس والكذب ، خضوع الرواة لقاعدة الجرح والتعديل ، عدم وقوع التعارض والتنافي التام ).
هذه الضوابط كانت سدا منيعا في حماية السنة النبوية من الاختراقات إلا إن ذلك لم يدم طويلا حتى انفلتت الضوابط في قبول الأخبار من العلماء المتأخرين من الفريقين (الإمام الشافعي عند أهل السنة والخطيب البغدادي عند الشيعة ت: 463 هجرية).
يقول الشيخ (عبدالهادي الفضلي) في أصول الحديث ص 281 " بسبب المشقة من وجوب الإحتياط حمل اللفظ إصطلاحا وليس لغة " مثلا لفظ المعصوم المنقول لنا في الحديث أو الرواية هل هو نفس اللفظ أم لا ؟ ، وهلم جرا على معظم الضوابط ، فكان من آثار رفع والتسامح مع الضوابط حسب رأي المحقق (السيد كمال الحيدري) في كتابه الموروث الروائي ص 144 " استشراء ظاهرة الوضع تبعا للقاعدة العقلية ، تسهيل نقلة الأخبار فأصبح كل من هب ودب محدثا ، تمكن أصحاب الفرق والدعاوي الباطلة من إيجاد مساحة واسعة لدعمهم فيما يذهبون إليه ، وسهولة التصنيف وتعقيدة فأصبحت أمامنا مئات من النصوص فيها الغث والسمين ".
من هنا يجدر بنا اعتماد مقارنة التراث المهدوي مع الضوابط حسب المعايير القرآنية ومحوريته ، وهذا يمكننا من إيجاد مسافة منهجية وموضوعية اتجاه هذه الإشكاليات ، واستحضارالمعايير التفسيرية عند الرسول (ص) والأئمة الطاهرين(ع)
وهو أمر يدفعنا إلى الإبتعاد عن المنهج الإخباري كليا ، الذي لعب دورا سلبيا في التساهل مع الضوابط ، حتى أصبح الناس من كثرته لا يعرفون ما هو الصحيح من هذه الأحاديث والروايات وما هو غير الصحيح . وبهذا نكون قد حللنا الإشكالية وسسدنا الأبواب أمام كل من يدعي أنه محدث وتقلصت المساحة أمام أي دعوة باطلة.